فلسطين أون لاين

​ضيف على مشارف الوصول

...
بقلم- صفاء حسن المشهراوي:


حقيقةٌ لا نقاشَ فيها ولا جدال، أنَّه من أخلاق المسلمين ثم عاداتهم التي يتميزون بها: حُسن استقبال الضيف وإكرامه، فيكرمون الضيَّفَ أيَّما كرمًا، يهيؤون البيوت، ويهندمون أنفسهم، ويُجلسون الضيف في أبهى مكان، ويَتَخَيَّرون من الضيافةِ أحسنها لِيُكْرِمُوا بها زائرهم، إلا أنَّ ضيفًا عزيزًا سخيًّا كريمًا، يُطل عليهم في كل عام مرة واحدة، يُهل بها عليهم بالخيرات الحِسان، وبالأمن والإيمان، والسكينة والاطمئنان، والأوقات المباركات، والأجور المضاعفات، ولياليه التي يملأ عبقها وحلاوتها الأرجاء، أمَا يكفي أن فيها تَتَنَزَّلُ الملائكة والروح إلى السماء الدنيا؟!، هذا الضيف الذي فاق جماله كل الوصف والبيان، هناك عدد لا بأس به من المسلمين يضيعون على أنفسهم فرصة أن يحظوا بخيره وفضله وكرمه، فَيُوْصِدُون بعض الأبواب بوجهه، بدلًا من أن يدعوها مشرعة مفتوحة على مصراعيها؛ كي لا يفوتهم شيء من كرمه.

"أعزاءنا المشاهدين، انتظرونا طيلة أيام شهر رمضان المبارك مع المسلسل الرمضاني (...)، رمضان يجمعنا".

علامَ يجمعنا شهر رمضان؟، أيجمعنا على مسلسلات تحمل مواضيع ومشاهد وضيعة، تُنتَهكُ فيها الحُرُمات وتسلب القيم والآداب؟!، أم يجمعنا على كاميرا خفيّة مُروعة، غير أن بعضًا أصبحوا يتناولون فيها مواقف مُخلة بالآداب؟!، أم يجمعنا على برامج تسلب الوقتَ منا، دون فائدة مرجوة؟!، إذًا علامَ يجمعنا رمضان؟

غيَّر كثير من الناس وجهة شهر رمضان المبارك، الذي عُهِدَ عليه أنَّ الناس كانوا يجتمعون فيه على ختم القرآن الكريم، يتنافسون فيما بينهم أيهم يختم القرآن أكثر، أمَا قال الله (تعالى): (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ) (البقرة:185)؟، فإذًا هو شهر القرآن الكريم، كما كانوا يجتمعون على قيام الليل اغتنامًا للياليه العظيمة، ولم ينسَوا صلة الأرحام والتواصي على الخير، أما تعلمون أنَّ هذا الشهر كان يجمع المسلمين على الجهاد في سبيل الله (تعالى) نُصرة لدينه وإعلاءً لكلمة الحق؟، أم أننا نسينا غزوة بدر وفتح مكة وعين جالوت وحطين وفتح القسطنطينية، وغيرها من الغزوات والفتوح العظيمة التي شُرِّف بها إسلامنا العظيم؟!، عُهِدَ على المسلمين في هذا الشهر أنَّه شهر القوة والعمل والكد والكسب، ولم يُعْهَد عليه أنَّه شهر الكسل والنوم.

تُرى من الذي يقف وراء تغير مسار المسلمين عما كان عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته (رضوان الله عليهم)، وكل من اتبع هديهم من القرون اللاحقة؟، إنَّ من يقف في طريق تقدمنا والمحافظة على هدي قدوتنا ونبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) هم:

  • المستشرقون الذين يكيدون للإسلام منذ زمن بعيد، خفية أكثر منها وضوحًا، ولتتيقن مما أقول بإمكانك قراءة كتاب (الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم) للدكتور مصطفى السباعي.
  • النفوس البشرية الضعيفة التي لم تتقوَّ من قبل، وبقيت متبعة لهواها دون جهادٍ أو كفاح.

ربما تسألني لِمَ لَمْ أتحدث عن شياطين الجن هنا؟، وأجيبك بأن شياطين الجنِّ تُقيَّد وتُصفَّدُ في هذا الشهر العظيم؛ فليس لها سلطان على أحدِ من عباد الله (تعالى)، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إذا دخل شهر رمضان فُتِّحَت أبوابُ السماء، وغُلِّقَت أبوابُ جهنم، وسُلْسِلَت الشياطين».

إذًا ربما تسألني مرة أخرى: كيف لي أن أعيد عهدَ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وصحبه الكرام، وكل من سار على خُطاهم وهَديهم؟

عزيزي القارئ، إننا على مشارف شهر رمضان المبارك، ونحن نرى كيف الساعات والأياميطوي بعضها بعضًا في سرعتها، فتمر بلمح البصر، فالمُفلح من أدرك نفسه وأمسك بزمام الوقت قبل أن يُفلِتَ منه بلا فائدة، والخاسر من أتاه هذا الضيف العظيم فأوصد الأبواب بوجهه.

ولكي نكون من المُفلحين المهتدين بهدي نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) يجدرُ بنا أن نقوم بما يلي:

أن نجدد النية في قلوبنا ونجعلها خالصة لله (عز وجل) لأن نغتنم شهر رمضان أفضل اغتنام.

نقرأ جيدًا عن حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام، وسلفنا الصالح في شهر رمضان الكريم، وتنافسهم في الخيرات.

نمسك ورقة وقلمًا ونكتب ماذا نريد أن نفعل من الطاعات، مثلًا:

1. قيام الليل 2. مضاعفة ختمات القرآن 3.الصدقة (إطعام الفقراء في الخفاء بعيدًا عن مرأى ومسمع الآخرين، فقد أصبح الفقير يُشهَّرُ به في مواقع التواصل الاجتماعي) 4. صلة الأرحام. 5. التسامح بين الناس وإزالة الشحناء والخِصَام 6. الدُعاء 7. الإكثار من ذكر الله (تعالى) 8. عدم الإكثار من النوم وحُسن اغتنام الوقت، وهناك طاعات كثيرة أخرى بإمكانكم البحث عنها.

التواصي على الطاعة مع الأهل أو الأصدقاء؛ فإنَّ ذلك مما يُعين على الطاعة والثبات عليها بإذن الله (تعالى).

أيها الفاضل، إنَّ المرء يؤجرُ بحسب نيته، فجميل أن ننوي الخير ونظفرَ بالأجر، فلا يدري أي منا متى يباغته الموت، ولا يدري أيدرك رمضان أم لا، وإذا أدركه فهل سيحظى بضيافته طيلة مكوثه أم سيُفارق الحياة باكرًا؟

آن لنا أن نفيقَ ونعيدَ هيبة الإسلام ورمضان وعظمتهما في قلوبنا، فهو بوصلتنا تجاه سائر الأيام والأشهر.

بلغنا الله وإياكم شهره العظيم، وجعله شهر نصرة على أنفسنا وأعدائنا، وكل عام وأنتم ونحن بخير.