قدّم أهالي قرية جفنا شمال مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، لرئيس حكومة رام الله محمد اشتية، بيان شجب واستنكار وإدانة إزاء ما شهدوه من "فلتان واستهتار بأرواح المواطنين الآمنين في بيوتهم ومحلاتهم وممتلكاتهم".
جاء ذلك بعد التهجم على القرية وترويع أطفالها ونسائها، من خلال إطلاق الأعيرة النارية والمولوتوف والحجارة على البيوت من رعاع منفلتين يفتقرون للحس الوطني والإنساني وعلى رأسهم إحدى الشخصيات الاعتبارية المتنفذة في محافظة رام الله ورئيس الغرفة التجارية السابق، وفقًا للبيان.
كما استنكر الأهالي الألفاظ النابية والعنصرية والطائفية التي عاثها هؤلاء المنفلتون الذين طالبوا الأهالي "بكل داعشية بدفع الجزية من أجل تعكير أجواء الأعياد الفصحية".
وجفنا هي قرية فلسطينية، يبلغ عدد سكانها حوالي 2000 نسمة مسلمين ومسيحيين، وتبلغ مساحة أراضيها قرابة 11,000 دونم.
تهديد النسيج الاجتماعي
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة بيرزيت بدر الأعرج، أن حالة "الفلتان الأمني" في بعض المدن والقرى الفلسطينية، تهدد السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي والعلاقات، عدا عن فقدان إحساس المواطن بالأمن والأمان.
وقال الأعرج في حديثه لـ"فلسطين": "إن الأحداث في جفنا مؤسفة جدًا، حيث إن شعبنا الفلسطيني يعتز بقوة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وأن المسيحيين جزء لا يتجزأ من شعبنا، ونتمنى استمرار هذه العلاقة دومًا، لتشكل نموذجًا للشعوب العربية الأخرى، خصوصًا أن الاحتلال يشكل خطرًا على مكونات الشعب الفلسطيني قاطبةً".
وشدد على أن هذه الأعمال تعد تجاوزًا، ولا تنسجم مع القانون الفلسطيني، ولا حتى مع الروح التي يعيش بها المسلمون والمسيحيون من الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن طلب دفع الجزية "غريب ومستهجن خصوصًا أننا لا نعيش في ظل دولة إسلامية –حاليًا-".
ويرى الأعرج أن هذه الجريمة تهدف لتحقيق مصالح شخصية وأن منفذيها قد استغلوا نفوذهم في الأجهزة الأمنية أو السلطة الفلسطينية.
مطالبة بمحاكمة علنية
محامي مؤسسة مدى لحقوق الإنسان فراس كراجة، أوضح أنه من الناحية القانونية فإن الأشخاص الذين نفذواتلك الأعمال متهمون، حيث لم تثبت إدانتهم حتى الآن، إلا أن أفعالهم مجرّمة وفقًا للقانون الأساسي الفلسطيني.
وقال كراجة في حديثه لـ"فلسطين": "إذا تحقق فعل هؤلاء الأشخاص بالأعمال المنسوبة لهم، ابتداءً من إطلاق النار لترويع الناس والمواطنين في قرية جفنا، بكل طوائفها مسلمين ومسيحيين، مرورًا بالتهجم على الأهالي والتلفظ بألفاظ طائفية، وانتهاءً بالمطالبة بدفع الجزية، فإن هذه الأفعال مجرّمة تهدف لإثارة النعرات الطائفية".
وحول استخدام السلاح في ترويع الأهالي، أكد أن هذا الاستخدام المرفوض للسلاح هو الذي يجب ملاحقته من الأجهزة الأمنية، وليس سلاح المقاومة الذي يظهر في مواجهة الاحتلال الصهيوني الواجب حمايته.
وفي الوقت الحالي يدافع المحامي كراجة عن صحفيين يتم ملاحقتهم بتهمة "إثارة النعرات الطائفية" من أجل كبت حرية الرأي والتعبير، وبيّن أن من تلفظ بالألفاظ الطائفية في هذه الواقعة أولى بالملاحقة والمحاسبة بهذه التهمة، مضيفًا: "كنت وما زلت أتمنى من الأجهزة الأمنية ملاحقة الفاعلين وتوجيه التهمة لهم وفقًا لهذه المادة حسب قانون العقوبات".
ويرى أن المجتمع الفلسطيني متماسك، بغض النظر عن الخارجين عن القانون وعن العادات والتقاليد والأخلاق الفلسطينية، حيث إن المسيحي يبقى مطمئنا بأن جاره المسلم لا يحمل في نفسه أي كره أو بغضاء بحقه، والعكس صحيح، كما قال.
وأضاف: إن "انعكاسات هذه الأعمال تظهر على المدى الطويل، بمعنى أن تكرار مثل هذه الأعمال، والحديث المتكرر، والترسبات التي تبقى فينفس الأم وأسرتها وبيتها، يخلق انعكاسا طويل للأمد، وقد يتطوّر الأمر لحدوث اقتتال داخلي وتهديد للسلم الأهلي بين الطوائف كما هو حاصل في بعض الدول العربية".
وطالب محامي مدى لحقوق الإنسان الأجهزة الأمنية وحكومة رام الله باتخاذ إجراءات صارمة بحق الفاعلين، وأن تكون لهم محاسبة ومحاكمة علنية وسريعة، ليتم الحديث عن النتائج وليس عن الفعل ذاته، وبذلك تكون الانعكاسات إيجابية، خصوصًا أننا نعيش فترة أعياد، وفق تعبيره.