فلسطين أون لاين

تحدت السجّان وكتبت رسائل من نور

لمى خاطر.. صحفية تُشعل شمعة عامها الـ43 في السجن

...
رسالة لمى خاطر
الخليل-غزة/ خضر عبد العال:

تسللت كلمات رسائلها المنبعثة من داخل عتمة زنازين الاحتلال الإسرائيلي على شكل خيوط شمس الضحى الذهبية، إلى قلوب أبنائها الخمسة، لتجدد فيهم روح العزيمة والإرادة التي ربّتهم عليها قبل أن يخطفها السجّان من وسط بيتها في مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة.

الكاتبة الصحفية لمى خاطر أسيرة فلسطينية في سجن الدامون منذ 24 تموز (يوليو) 2018م مع ستة من الأسيرات الفلسطينيات من مدينة الخليل، بزعم "التحريض" على تنفيذ عمليات مقاومة في الضفة المحتلة، ومن المتوقع أن يعقد الاحتلال جلسة محاكمة لها الشهر المقبل.

لم تتوقف خاطر التي أشعلت شمعة عامها الـ43 في 18 نيسان (أبريل) الجاري داخل زنازين الاحتلال عن ممارسة هوايتها المفضلة الكتابة، محاولة تخفيف معاناة الأسر.

بعض هذه الرسائل منحت نجلها الأكبر أسامة العزيمة والإصرار على المحافظة على درجة الامتياز في دراسته تخصص الهندسة في جامعة بير زيت، رغم الظروف الصعبة التي يمرّ بها بسبب أسر والدته.

وكذلك ابنتها بيسان التي داومت على رعاية إخوانها وتلبية طلباتهم، ومساعدتهم في دراستهم، والعطف عليهم، ممثلةً دور الأم التي غابت قسرًا.

أما طفلها الأصغر يحيى الذي لاقت صورته كثيرًا من التعاطف والشعور بالصدمة، بين نشطاء مواقع التواصل، حين ودعته أمه قبيل اعتقالها بلحظات، فكتبت له: "أنت حبيبي يحيى، أعرف أنك لن تقرأ كلماتي، لكني سأكتبها لك هنا للذكرى، لتقرأها حين تكبر، أحبك كثيرًا يا قطعة من روحي".

ولم تنس صاحبة القلم الحر في رسائلها أم عاصف البرغوثي والدة الشهيد صالح والأسير عاصم، وقد عنونت رسالتها بـ"في حضرة امرأة من ضياء"، وعنها قالت: "كان جفناها يخفقان في خشوع جميل، لما تذكر اسم صالح، أما حين تذكر عاصم فتحلق في فضاء عينيها الأمنيات".

الأسير المحرر حازم الفاخوري يروي جزءًا من تجربة زوجته خاطر داخل الأسر، فيقول في حديث إلى صحيفة "فلسطين": "استطاعت لمى خلال مدة قصيرة فهم وقراءة واقع سجون الاحتلال، الأمر الذي ساعدها على التأقلم مع الظروف المحيطة".

ويضيف الفاخوري مفتخرًا: "زوجتي لمى شخصية مؤثرة وفاعلة، وتسعى دومًا إلى التغيير نحو الأفضل، ولديها قدرة كبيرة على حل الخلافات، وتأليف القلوب، وردم الهوة، وتقريب المسافات بين جميع الأسيرات دون تمييز".

وخلال زياراته إليها داخل السجن أيقن أن زوجته صاحبة همة عالية، إذ سعت دومًا إلى مساعدة قريناتها الأسيرات، وبناء جسور التآلف بينهن، الأمر الذي خلق حالة من القلق لدى السجان الذي أصبح يراقب تحركات زوجته.

ويعتقد الفاخوري أن زوجته نجحت في "اختبار تجربة السجن" الذي سيصقل كتاباتها بنوع من العنفوان والإصرار أكثر، يضيف: "سيكون قلمها أكثر تألقًا عند خروجها من الأسر".

"يما ديري بالك"

تروي بيسان مشهدًا جمعها بأمها خلال لحظات مرت سريعًا داخل محكمة الاحتلال، حيث يمنع السجّان اقتراب الأسير من ذويه، قائلةً: "في الدقائق الأخيرة من المحكمة، كانت المسافة بيننا كافية لأمد يدي للسلام عليها باليد، فمدَّت أمي يدها لتسلِّم علي، ومددت يدي والدموع الممتزجة بضحكة وداعي لها لا تفارقني، وإذا السجّان يسرع ليفصل يدي عن يدها بقوة، فصرخت في وجهه بنبرةٍ غاضبة: (تمدّش إيدك عليها)".

وتضيف بيسان لصحيفة "فلسطين": "لا أذكر أني رأيت ملامح أمي غاضبة بهذا الشكل، وهذه المرة الأولى التي أرى غضبها حنانًا يدفئ قلبي الذي عصفَت به رياح الغياب، وكذلك المرة الأولى التي أرى فيها نبرة غضبها صوتًا مفعمًا يهمسُ لقلبي بشكلٍ ما: (أحبكِ)".

وتختم حديثها: "لعلّنا لم نستطع كلانا التعبير عن مدى اشتياقنا بما يكفي، لكنّها اليوم عبّرت لي عن شوقها بغضبها الحاني، بقلبها الثائر، بعنادِ عينيها اللتين تتطّلعان إلى الحريّة مع كل إشراقة شمس، لتتبعها ضحكتي موّدعةً وصوتي قائلًا: (يلا سلام يمّا، ديري بالك على حالك)".