ألفتهم جدران سجون الاحتلال الإسرائيلي القاسية التي قضمت أجمل سنيِ عمرهم وزهرة شبابهم، إذْ قضوا بداخلها أكثر مما عاشوا خارجها، وقاسوا مرارة الاعتقال والعزل والتعذيب والإهمال الطبي وكل جرائم الاحتلال المُمارسة بحق الأسرى، وليس لهم في مواجهتها إلا التحلي بالصبر والصمود والأمل بأنْ تتمكن المقاومة الفلسطينية من الإفراج عنهم بصفقة تبادل مشرفة تنهي معاناتهم كـ"عمداء للأسرى".
الأسير كريم يونس أحد عمداء الأسرى قضى 37 سنة متواصلة في الأسر، يذكر شقيقه نبيل أنه اعتقل في السادس من يناير/كانون الثاني 1983 بزعم "حيازة سلاح وقتل جندي والانتماء لكيان معادي"، وحكم حينها بالإعدام شنقا ثم خفف الحكم لمؤبد مدى الحياة إلى أنْ تم تحديد المؤبد لاحقاً بـ40 سنة، ليكون على موعد مع الحرية في 2023 إذا لم يتم إبرام صفقة تبادل تخرجه إلى النور قبل ذلك التاريخ".
ويبين لصحيفة "فلسطين"، أن كريم كان طالباً جامعياً أعزباً وقت اعتقاله، وقد رفض خلال فترة الاعتقال أن يرتبط بأي فتاة عادا أن هذه الفكرة غير واقعية حيث ستضطر لانتظاره سنوات طويلة، مشيراً إلى أن كريم "البكر لأسرته" توفي والده في ذكرى يوم اعتقاله في 2013 حيث كان زملاؤه الأسرى يقيمون له احتفالاً تكريمياً كما اعتادوا كل عام فوصلهم نبأ وفاة والده فأخذوا بتعزيته مما أثار ضحكه معتقداً أنهم يعزونه ببلوغه عامه الـ30في الأسر.
ويتابع شقيق الأسير، أنه رد عليهم: "عزائي زي عزائكم ما انتم لاحقيني لتدخلوا الـ30" ليوضح له الأسرى بأن سبب تعزيتهم له هو وفاة والده فوقع مغشياً عليه، وبعد أن استفاق طلب من إدارة السجن أنْ يتصل بوالدته لتعزيتها فلم يسمحوا له إلا بعد انقضاء أيام العزاء الثلاث الأمر الذي جعله يرفض الاتصال لانتهاء العزاء.
الأمل يراودها
كل هذه السنوات لم تجعل والدة كريم "ذات الـ85 عاماً" تفقد الأمل في احتضانه ولو لمرة واحدة، إذْ تمني نفسها برؤيتها في بيتها ولو ساعة واحدة، وهي تضغط على أوجاعها وكونها مقعدة وتحرص على زيارته مرة كل شهرين في سجنه لتكحل عينها برؤيته وتعود سعيدة برؤيته واطمئنانها عليه.
ورغم قسوة الزنزانة فإن كريم يحاول الحفاظ على صحته وممارسة الرياضة ويقضي وقته في مطالعة الكتب الأمر الذي يمده بمعنويات عالية وصمود في ظل محاولات الاحتلال قتله هو وزملاءه صحياً وجسدياً.
فيما يؤكد أمجد شقيق الأسير رائد السعدي (الذي اعتقل في 29 أغسطس/آب 1989 وحكم بالسجن مؤبديْن بذريعة المشاركة في عمليات ضد الاحتلال قبل وأثناء الانتفاضة الأولى) أنّ عدم تحرر شقيقه أسهم في تدهور الحالة الصحية لوالدته، إذْ أصيبت بعدة جلطات إلى أن توفيت.
ويعاني والده (84عاماً) من عدة أمراض كما فقد بصره مما جعله عاجزاً عن زيارته منذ ثلاثة أعوام خلت لعدم قدرته على تحمل مشقة التنقل عبر حواجز الاحتلال ، لكنه ما زال يتمنى أن يلمسه ولو لمرة واحدة.
ويبين أمجد لصحيفة "فلسطين" أن أخاه الأسير وضع لنفسه برنامجاً خاصاً يعينه على التأقلم على ظروف السجن، إذْ يقضي وقته في لعب الرياضة والمطالعة حيث حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة الأقصى بغزة فيما يدرس حالياً في جامعة القدس المفتوحة، مبيناً أن يتمتع بمعنويات عالية ويأمل بأنْ يتم الإفراج عنه في صفقة تبادل أسرى تنجزها المقاومة.
ووفق معطيات هيئة شؤون الأسرى والمحررين يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي 5700 أسير فلسطيني، منهم 48 أسيرة، و230 طفلا، و500 أسير إداري، وثمانية نواب، و700 مريض، و570 محكوما بالمؤبد، و17 صحفيا، و50 من قدماء الأسرى.
من جهتها توضح الناطقة الإعلامية باسم مركز أسرى فلسطين للدراسات أمينة الطويل، أن غالبية "عمداء الأسرى" يتمركزون في سجن "نفحة" الذي تتواجد فيه الكثير من قيادات الحركة الأسيرة، مبينة أنهم يعيشون ظروفاً معيشية صعبة داخل السجون فـ20 سنة من الاعتقال تعني أن شاباً تحول لشيخ أو كهل.
وتشير في حديث مع صحيفة "فلسطين"، إلى أن المدة التي قضاها بعض عمداء الأسرى في سجون الاحتلال، كنائل البرغوثي تجاوزت 30 سنة.
وتنبه الطويل، إلى أن غالبية عمداء الأسرى يعانون من أمراض وأوضاع صحية تتراجع، ويحتاجون لمتابعة صحية وتشخيص ودواء وغذاء معين، وجو نفسي وصحي"، مردفة:" لكن الاحتلال يمنع عنهم غالبية تلك الأمور بما فيها العلاج" بذرائع أمنية.
وتتابع: "الحرية بالنسبة لعمداء الأسرى كالحلم ، ينتظرونها ولكنهم مضطرون للانغماس في واقع الاعتقال لأنهم يدركون أن حريتهم بحاجة لصفقة تبادل أو معجزة تعيدهم إلى أحضان ذويهم".
وتكمل الطويل حديثها بأن غالبية عمداء الأسرى فقدوا أهلهم وكثيرا من أقاربهم خلال فترات أسرهم، ومرت بهم مناسبات حزينة وأخرى سعيدة دون أن يشاركوها مع عائلاتهم.