في انتعاشة جديدة للنَفس الفلسطيني المقاوم؛ انتصر الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي على سجانهم، وحققوا مطالبهم العادلة التي سعوا لأجل تطبيقها أمرًا واقعًا منذ سنوات، وفي سبيلها خاضوا معركة الكرامة الثانية بالإضراب المفتوح عن الطعام ثمانية أيام متواصلة، بمشاركة المئات منهم على رأسهم قيادات الحركة الأسيرة.
ولأول مرة في تاريخ الحركة الأسيرة، يوافق الاحتلال على تركيب هواتف عمومية في أقسام الأسرى كي يتمكنوا من محادثة أهاليهم عدة مرات أسبوعيًّا، وهو الأمر الذي عُدّ إنجازًا مهمًّا وعظيمًا بحد ذاته تحققه إرادة الأسرى مؤكدةً عدالة قضيتهم ودورهم الريادي حتى لو كانوا خلف القضبان.
عوامل كثيرة أدت إلى تحقيق هذا الانتصار السريع، يعزوها مراقبون إلى مشاركة الكل الفلسطيني، ووحدة صوت الأسرى خلف مطالب واحدة، في جوٍّ وحدويٍّ افتقده الشارع منذ سنوات.
ويقول الناشط في قضايا الأسرى ثامر سباعنة: إن وحدة الأسرى، وموقف الفصائل الموحد، والالتفاف حول موقف واحد هو ما شكل ضغطًا على الاحتلال في هذا الإضراب، حيث إنه يشعر بالتشتت والإرهاق حين تزداد أعداد المضربين من عدة فصائل ومن مختلف التنظيمات، ويصبح بحاجة إلى توفير مستشفيات ميدانية وجنود للحراسة وغير ذلك لمجابهتهم.
ويوضح سباعنة لصحيفة "فلسطين"، أن عاملًا آخر أدى إلى تقوية موقف الأسرى، وهو دور المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، التي أبلغت الوسيط المصري بأن الصاروخ الذي أطلق على (تل أبيب) بعد اعتداء الاحتلال على أسرى النقب في فبراير/ شباط الماضي لم يكن عن طريق الخطأ وإنما نصرةً للأسرى، فالاحتلال حسب لذلك ألف حساب واضطر للخضوع.
وأضاف أن "قبل كل شيء هو حق للأسرى بالحصول على هواتف لمحادثة أهاليهم كما أي سجن في العالم، وكذلك إزالة أجهزة التشويش الخطيرة من الأقسام".
بدورها ترى الباحثة في شؤون الأسرى أمينة الطويل، أن التكتيك الذي اتبعته الحركة الأسيرة كان له الدور الأبرز في إنجاح الإضراب، وهو بدء المفاوضات مع إدارة السجون قبل الإضراب، ومن ثم الاستمرار فيه طيلة أيام الإضراب على مبدأ عدم التنازل عن أيٍّ من الحقوق، وتحقيق الإنجازات دون أن تكون بديلة لإنجازات أخرى موجودة.
وتقول الطويل لـ"فلسطين": إن الفترة الزمنية التي استمر فيها الإضراب تعد قصيرة بالنسبة للإضرابات الأخرى، والأمر الذي ساهم في ذلك هو خطوات متلاحقة قام بها الأسرى أربكت الاحتلال، مثل حل التنظيم وعمليات الطعن وتقديم قوائم طويلة لأسماء الأسرى المضربين أو الذين سينوون الإضراب، وهذا لم يكن من السهل تعامل الاحتلال معه، فهو مرهق ومكلف، وإدارة السجون ليست جاهزة لكل ذلك.
وأضافت أن الحراك في الشارع هذه المرة كان مبكرًا رغم ضعفه، حيث إنه في التجارب السابقة كان يبدأ بعد أيام طويلة من بدء الإضراب، أما هذه المرة بدأت التحركات قبل بدئه؛ نتيجة القمع الذي تعرض له الأسرى، في حين كان هناك دور فعال للمقاومة في قطاع غزة التي مارست ضغوطات على الصعيدين السياسي والعسكري.
وفي كل اتفاق فإن التحدي الأكبر هو تطبيق ما تم الاتفاق عليه في ظل تعمد الاحتلال التنصل من كل الالتزامات في أي معادلة مع الفلسطينيين، وفق سباعنة الذي أوضح أن الاحتلال غير مؤتمن الجانب من ناحية الالتزام كما حدث في أكثر من مرة، لكنه أكد أن لدى الأسرى ورقة ضاغطة وهي العودة إلى الإضراب في حال التنصل من تطبيق الاتفاق.
ووافقته الطويل بقولها إن التنصل من الاتفاقيات أمر معروف عن طبيعة الاحتلال، لكن الحركة الأسيرة الآن تتمسك بخياراتها في حال وقع ذلك، وهناك خطوات أخرى كالتصعيد في حال لم يلتزم على المدى القريب.