يذكرني الفيسبوك برجل يعمل وزوجته في مكانِ عملٍ واحد، نشر صورةً له وهو يعتني بابنه أثناء عمله فانهالت عليه التعليقات بالسب والشتم ووصفه بالخاروف!
هذه النظرة نراها في عيون الشارع تجاه زوجٍ يجر عربة ابنه نيابة عن زوجته، أو يحمل حقيبتها في لحظة تعب ..إلخ، فالرجال يرونه محكومًا، والنساء يرونها مذنبة لأنها وضعت زوجها في موقف محرج!
تعود بنا هذه النظرة لذكورية المجتمع التي تحدثنا عنها في مقالة سابقة، وسيطرة العادات على حياتنا وتغلبها في أحيانٍ كثيرة على مبادئ الدين الإسلامي، هذا الدين الذي أتى ليُقر أن المرأة ليست إنسانًا من الدرجة الثانية، ولا خادمةً في بيت أهلها ولا زوجها، وهي إن فعلت ذلك؛ فعلته محبةً وتطوعًا، لا واجبًا ولا فرضًا، وهي إن حملت وأرضعت وفطمت، فليس عليها وحدها أن تربي وتهذب وتدرس ..إلخ، فالتربية مسئولية مشتركة بين الزوجين، ولا تستطيع الزوجة أن تقوم بهذا الدور وحيدة.. ومع ذلك فإن نظرية "سي السيد" كانت وما زالت لها كلمة الفصل.
والمعضلة أن كل الرجال المقصرين في حق بيوتهم، يحفظون حديث عائشة عندما سُئلت عما يصنع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، فتقول: "كان في مهنة أهله"، وفي روايةٍ قَالَتْ: "كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ".
دعونا نتحدث بصراحة -وإن كنا مقتنعين بكل ما سبق تمامًا- فإننا ما زالنا نخجل ونستحي من نظرة المجتمع وملامته، ولا نتجرأ على الخوض في غمار هذا الأمر حديثًا أو عملًا، حتى لا يقال عنا بالبلدي: "محكوم"!
لكنني اليوم أطلق دعوة –كمرحلة أولى- لكل رجل أن يخدم نفسه بنفسه، اقتداءً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فليس صعبًا على الرجال أن يقوموا بغسيل ملابسهم وكيّها، وإعداد طعامهم وجلي المواعين، وتنظيف نعالهم وترتيب أماكن جلوسهم وحركتهم في البيت.
ولنصمّ آذاننا عن المقصرين بحق بيوتهم ويريدون أن يكون الناس كلهم مثلهم، وعجزوا عن أن يقوموا بالدور الحقيقي المنوط بهم في الحياة الزوجية، ولنتشجع لنكون كصاحبنا الذي بدأنا المقالة بقصته، حيث كتب يرد على المعلقين بالسب والشتم: "هو ابني كما هو ابنها والحياة تعاون ويُشرفنّي أن أكون خاروفًا لابني وزوجتي"!