فلسطين أون لاين

​انتخابات مصيرية لنتنياهو

...
يونس السيد

لم تشهد الساحة الإسرائيلية عبر تاريخها هذا النوع من الصراع على السلطة، عشية الانتخابات البرلمانية التي تنطلق (اليوم)، ذلك لأنها المرة الأولى التي يتنافس فيها اليمين مع نفسه، ولأن نتنياهو شخصيًّا بات محور هذا الصراع، فإما أن يتمكن من الفوز بولاية خامسة، وإما يواجه مصيرًا محتومًا قد يفضي إلى تسليم رقبته إلى القضاء ثم إلى السجن.

في هذه المعركة الشرسة والمحتدمة تبدو المسألة لنتنياهو مسألة "حياة أو موت" تجاه مصيره الشخصي ومستقبله السياسي، في مواجهة احتشاد الجنرالات الذين يتزعمهم رئيس الأركان السابق بيني جانتس، وانضووا في إطار تحالف "أزرق أبيض"، ولديهم التصميم ذاته على الإطاحة بنتنياهو، مهما كان الثمن.

فقد مَثَّل هذا التحالف الجديد التهديد الجدي والأكثر خطورة لنتنياهو، قياسًا بكل معاركه الانتخابية السابقة، ذلك أن هذا التحالف قادر على اختراق قواعد اليمين، وانتزاع جزء مهم من أصواته التي كانت تذهب لمصلحة "ليكود" ونتنياهو، فضلًا عن أصوات ما يسمى "اليسار" وأصوات المثليين الذين يشكلون قطاعًا مهمًّا في المجتمع الإسرائيلي.

وحتى وقت قريب، كانت استطلاعات الرأي ترجح فوز تحالف "أزرق أبيض" على حساب ليكود وتحالفاته، ما عدا استطلاع وحيد أجري عشية الانتخابات، جاء ليرجح فوز نتنياهو وحلفائه بنسبة ضئيلة، لكن ذلك لن يحسم النتيجة، ويقدم ضمانًا أكيدًا ينقذ نتنياهو من ورطته.

اللافت هنا أن هذا التقدم الأخير لنتنياهو جاء عقب سلسلة من الهدايا المجانية، كان يفترض أن تقلب الأوضاع رأسًا على عقب، وهي هدايا خارجية من طرفين متناقضين، فمن جهة، قدم ترامب هضبة الجولان السورية المحتلة هدية لنتنياهو على طبق من ذهب، إذ عدها "جزءًا من (إسرائيل)"، وهي مسألة يفترض أنها كفيلة بقلب المعطيات جذريًّا لمصلحته، خاصة أنها تمثل مطلبًا تاريخيًّا لأوساط اليمين والمستوطنين، لكن ذلك لم يحصل، أو أن المردود لم يكن بحجم التوقعات، في مؤشر على أن الانقسام بين قوى اليمين والمجتمع الإسرائيلي عمومًا وصل إلى الذروة، وأصبح أقوى من إمكانية التأثير فيه، حتى بـ"إنجازات" من هذا النوع، ولذلك ذهب نتنياهو -من جهة ثانية- إلى موسكو ليتلقى هدية أخرى من بوتين، تدعيمًا لـ"إنجازاته" السابقة، إذ عاد برفات جندي إسرائيلي قتل في معركة السلطان يعقوب في البقاع اللبناني عام 1982م، محاولًا تقمص دور البطل الذي لا يترك حتى رفات جنوده في أرض العدو، علاوة على جملة من القضايا الأخرى التي اتفق بشأنها مع بوتين، مثل التنسيق العسكري في سوريا، وضمان تهدئة الوضع في الجولان، على الأقل إلى ما بعد الانتخابات.

سخونة المعركة الانتخابية لا تقتصر على نتنياهو وحزبه، وإن كان يظل محورها، فهناك قوى وأحزاب وشخصيات سياسية اندثرت، كحزب الحركة الذي تتزعمه تسيبي ليفني، وهناك أحزاب يتوقع ألا تتجاوز نسبة عتبة الحسم، أو ما يمكنها من الدخول إلى الكنيست، وهناك قوى وتحالفات وشخصيات جديدة ظهرت على الساحة، تتقدمها ظاهرة الجنرالات التي عادت بقوة إلى المشهد الانتخابي، لكن في كل الأحوال، لا يبدو أن هناك شيئًا محسومًا، وسيظل الجميع يحبس أنفاسه، بانتظار عد الورقة الأخيرة في صناديق الاقتراع.

الخليج الإماراتية