أدانت مراكز حقوقية وفصائل فلسطينية ونائب في المجلس التشريعي، أمس، تعذيب أمن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، مواطنًا كان قد خرج من غزة للبحث عن لقمة العيش، حتى الموت، عادِّين ذلك جريمة بشعة تستوجب المحاكمة والعقاب.
وأفادت عائلة المغدور محمود الحملاوي (32 عامًا)، في بيان لها، بأن عصابة برفقة أشخاص من جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة، اقتحموا في 14 مارس/ آذار المنصرم، بيت ابنها، وأبرحوه ضربًا بالهراوات الحديدية وسحلوه وألقوه عاريًا في الشارع، ثم خطفوه وبعد ذلك سلموه لسجن بيتونيا غربي رام الله، وهناك فارق الحياة بعد عدة أيام من إهمال حالته الصحية الخطيرة.
من جانبه أرسل تجمع المؤسسات الحقوقية، رسالة إحاطة لمنظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، ولجنة مناهضة التعذيب، والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بشأن ممارسات التعذيب في سجون أجهزة أمن السلطة.
وقال التجمع: إن هذه الممارسات ليست الأولى من نوعها، فقد أعلنت الناشطة سهى جبارة (30 عامًا) عن تعرّضها للتعذيب من عناصر جهاز الأمن الوقائي في وقت سابق من هذا العام.
وعدّ هذه الجريمة مؤشرًا صادمًا وذا دلالة خطيرة على واقع حقوق الإنسان في سجون ومراكز التوقيف التابعة لأجهزة أمن السلطة في رام الله، لاسيّما في ظل انضمام فلسطين لاتفاقيّة مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وهو أمر يؤكد غياب الرقابة الفعليّة من الجهات المختصة.
وطالب التجمع، الذي يضم في عضويته ست مؤسسات حقوقية، الجهات الدولية الفاعلة، بالضغط على السلطة؛ لفتح تحقيق جدّي ومستقل، بمشاركة مؤسسات حقوقية محلية ودولية في هذه الجريمة، وصولًا لمحاسبة المتهمين والمشاركين بارتكابها.
"صدمة تعفنية"
من جهته، ذكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أنه ينتظر النتائج التي قالت النيابة العامة في رام الله، إنها ستعلن عنها حين انتهاء التحقيقات، خاصة مع تأكيد تقرير الطب الشرعي، وجود كدمات على جسد الضحية، ونحو لترين ماء صديدي في تجويف رئتيه، ما يؤكد وجود حالة إهمال طبي شديد في التعامل معه، على الأقل.
وكانت النيابة العامة قد أعلنت أمس، أنها باشرت إجراءات التحقيق في قضية وفاة الحملاوي بتاريخ 27 مارس المنصرم، في مكان توقيفه بسجن بيتونيا، مؤكدة أنها ستعلن عن النتائج فور انتهاء التحقيقات.
ووفقًا للمعلومات التي حصل عليها المركز الفلسطيني، فإنه في 14 مارس، جرى خطف الحملاوي، وهو من سكان قطاع غزة، ويقيم منذ سنوات في الضفة الغربية، من داخل محل إقامته بمنطقة بيتونيا غربي رام الله، من أشخاص عرفوا عن أنفسهم بأنهم من جهاز الأمن الوقائي.
وأضاف أن شقيق الضحية، عماد، المقيم في غزة، كان قد تلقى بتاريخ 27 مارس، اتصالًا من مدير شرطة بيتونيا، أبلغه خلاله أن شقيقه محمود توفي في المركز إثر جلطة دماغية، وأنه سيتم عرضه على الطب الشرعي.
ووفقًا لتقرير الطب الشرعي في اليوم التالي للوفاة، فقط أوضح أن سبب الوفاة "صدمة تعفنية"، نتيجة "تجمع صديد في تجويف الصدر".
وشدد المركز الحقوقي في بيان له أمس، على أن هذه الحادثة تستوجب وقفة حقيقية من النائب العام للتحقيق فيها، وخاصة ظروف الاعتقال وحالات التعذيب، حيث يتلقى المركز العديد من شكاوى التعذيب كل عام.
وأعرب عن قلقه تجاه ظاهرة وفاة الموقوفين في مراكز التوقيف، خاصة وأن الضحية وجد عليه "كدمات وسحجات في منطقة الفخذ الأيمن وأعلى الثدي الأيسر، وفي مقدمة الساق اليمنى"، وفق تقرير الطب الشرعي، مطالبًا النيابة العامة بكشف سبب الوفاة وإن كان الموقوف تعرض للتعذيب خلال توقيفه، وعقاب المسؤولين.
وأوضحت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، أنها تواصلت بشأن الحادثة مع النيابة العامة في رام الله، التي وافقت للهيئة بانتداب طبيب شرعي خاص يمثلها وعائلة المغدور للمشاركة في عملية التشريح.
وبينت الهيئة في بيان لها أمس، أن تقرير التشريح الأولي يشير إلى أن الوفاة تعود لأسباب صحية ومرضية، وأنها بانتظار الحصول على التقرير النهائي بعد استكمال فحص العينات، لافتة إلى أنها ستصدر تقريرًا مفصلًا حول الحادثة بعد استكمال المعلومات والإفادات.
فلتان أمني
وأكد رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي النائب المستشار محمد فرج الغول، أن قتل المواطن الحملاوي على أيدي أجهزة أمن عباس "المنفلتة" جريمةً تستوجب المحاسبة والمحاكمة.
وطالب الغول في بيان له أمس، النيابة العامة بإجراء تحقيق عاجل حول هذه الجريمة النكراء، والكشف عن القتلة الحقيقيين ومسؤوليهم ومحاسبتهم ومحاكمتهم أمام المحاكم المختصة في أسرع وقت ممكن، داعيًا لوضع حد لهذا الفلتان الأمني الذي تمارسه أجهزة عباس الأمنية في الضفة الغربية خدمةً للتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.
وبين أن هذه الجريمة المدانة ليست الأولى التي ترتكبها أجهزة أمن السلطة، مؤكدًا أن عدم محاسبتها وإيقافها عند حدها فتح لها الباب واسعًا بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، ما أدى إلى عربدتها وجرأتها على ارتكاب المزيد من الجرائم ضد أبناء شعبنا.
وطالب الغول بإعادة بناء الأجهزة الأمنية في الضفة على عقيدة أمنية وطنية خالصة تخدم الشعب الفلسطيني بدلًا من أجهزة أمن رئيس السلطة محمود عباس المبنية على عقيدة التنسيق الأمني وحراسة سياج الاحتلال وجرائمه.
كما طالب القوى الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية ولجنة الرقابة في التشريعي بضرورة تشكيل لجنة تحقيق ومتابعة هذه الأجهزة الأمنية تمهيدًا لمحاكمة المنفلتين ولجمهم، ومنعًا لتفاقم الأوضاع في الضفة.
وأدانت حركة المقاومة الإسلامية حماس، بشدة، جريمة اختطاف جهاز الأمن الوقائي الشاب الحملاوي، والاعتداء عليه واحتجازه وتعذيبه حتى الموت.
واستغربت حركة حماس في بيان لها أمس، "الصمت المريب للنائب العام ووزارة الداخلية في الضفة الغربية، ومؤسسات حقوق الإنسان إزاء هذه الجريمة البشعة"، مطالبة بمحاسبة مرتكبي هذه "الجريمة النكراء".
كما طالبت حركة الجهاد الإسلامي، بمحاسبة المعتدين والمتسببين بقتل الشاب الحملاوي في رام الله.
وقالت الحركة في بيان لها: "تابعنا بألم شديد شهادات عائلة الشاب المغدور الحملاوي، الذي وصلها جثة هامدة، إثر الاعتداء البشع عليه من عناصر يعملون في جهاز الأمن الوقائي برام الله، ومن ثم إيداعه في سجن بيتونيا التابع للجهاز حتى وفاته"، عادّةً هذه الحادثة "جريمةً مكتملة الأركان".
وقالت فصائل المقاومة في بيان مشترك: إن جريمة قتل الشاب الحملاوي في سجون السلطة ليست الأولى من نوعها، ما يدلل على سوء تعامل أجهزة أمن السلطة مع المعتقلين، مضيفة أنه من واجبها الدفاع عنهم وحمايتهم من الاحتلال وليس اعتقالهم وتعذيبهم.
وطالبت الفصائل، النيابة العامة وبمشاركة مؤسسات حقوقية محلية ودولية، بفتح تحقيق جدّي وعاجل في هذه الجريمة، وصولًا لمحاسبة المتورطين والمشاركين فيها.
وأدانت حركة المقاومة الشعبية في فلسطين، بأشد العبارات حادثة قتل الشاب الحملاوي الذي كان في رحلة بحث عن قوت يومه في الضفة الغربية، على أيدي جهاز الأمن الوقائي.
وعدّت الحركة في بيان لها أمس، قتل المواطن داخل أروقة جهاز أمني خرقًا لكل الأعراف والمواثيق التي تنظم عمل هذه الأجهزة التي من الواجب أن تكون وظيفتها توفير الأمن لكل أبناء شعبنا دون تمييز، وإرساء قواعد القانون والعدل والمساواة.
ودعت إلى تشكيل لجنة وطنية بشكل عاجل للوقوف على ملابسات الحادثة المأساوية وتقديم الجناة لمحاكمة عادلة.
وأدان حزب الشعب الفلسطيني في بيان له أمس، كل أشكال التعذيب في الأراضي الفلسطينية، داعيًا إلى تشكيل لجنة تحقيق في ظروف وفاة الشاب الحملاوي برام الله.