يبدو أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي لا تشكل سببًا كافيًا من وجهة نظر السلطة برئاسة محمود عباس لوقف التنسيق الأمني الذي يجري على قدم وساق في ظل تفشي الاستيطان وارتفاع أعداد الشهداء الفلسطينيين وتهويد القدس وحصار غزة، عدا عن الهجمة الشرسة على الأسرى.
وفي أحدث معطيات التنسيق الأمني، كتب القائد الأسبق لقوات الاحتلال في غزة والضفة إفرايم سنيه، أخيرا، أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة "مكّنت" جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلية "الشاباك" العام الماضي فقط من إحباط 480 عمليةفدائية حاولت المقاومة تنفيذها، إلى جانب تفكيك 219 خلية تابعة لها واعتقال عناصرها، إضافة إلى إحباط 560 محاولة لتنفيذ عمليات فردية.
وفي 2016 تباهى مسؤول مخابرات السلطة ماجد فرج، في تصريحات أدلى بها لمجلة "ديفنس نيوز" الأمريكية، بإحباط 200 عملية فدائية ضد (إسرائيل)، واعتقال 100 مواطن على خلفية ذلك.
ويأتي ذلك رغم تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة سبع مرات منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو سنة 1993، وارتفاع وتيرة الاستيطان ضمن اتفاقيات التسوية أكثر منها خلال الحروب، وفق إحصاءات فلسطينية.
وكشفت أحدث إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تزامنا مع الذكرى الـ43 ليوم الأرض، أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية بلغ نهاية 2017 حوالي 653.621، ويوجد 47% منهم في القدس، وأن كل 22.6 مستوطن في الضفة يقابله 100 فلسطيني، بينما كل 70 مستوطن في القدس يقابله 100 فلسطيني.
وفي 2018 صدّق الاحتلال على بناء 9,348 وحدة استيطانية جديدة في الضفة، فيما بلغت نسبة ما عزله جدار الفصل العنصري من مساحة الضفة 12%، بحسب الجهاز نفسه.
وبلغ عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية في نهاية 2017 نحو 435.
ووصل عدد الشهداء الفلسطينيين منذ نكبة سنة 1948 إلى 100 ألف شهيد. وخلال 2018 بلغ عدد الشهداء في الضفة وقطاع غزة 312 شهيدا منهم 57 شهيدا من الأطفال وثلاث سيدات، في حين بلغ عدد الجرحى خلال العام نفسه 29.600 جريحا، وفق "الإحصاء الفلسطيني".
ويصف الخبير الأمني والعسكري يوسف الشرقاوي، التنسيق الأمني بأنه خطأ، قائلا لصحيفة "فلسطين": إنه جوهر اتفاق أوسلو الأمني، الذي أخذت (إسرائيل) منه ما يلزمها فقط.
ويوضح الشرقاوي لصحيفة "فلسطين" أن السلطة تعترف بأنها تنسق أمنيا مع الاحتلال الإسرائيلي، رغم أن المجلس المركزي قرر وقفه لكن السلطة لم تستجب.
ويأتي ذلكترجمة لمواقف عباس التي عبر عنها مرارا بقوله: "أنا ضد المقاومة.. أنا علنا بحكي، أنا ضد المقاومة علنا"،"نحن نشتغل عند الاحتلال"، "أنا عايش تحت البساطير الإسرائيلية"، "التنسيق الأمني مقدس".
ويؤكد الشرقاوي أن ما يمكن أن يوقف التنسيق الأمني بالفعل هو وجود موقف شعبي فاعل وقوي في الشارع يجبر السلطة على ذلك.
ويعرب عن استغرابه من استمرار التنسيق الأمني "الذي يذل الشعب الفلسطيني"، وفق وصفه، متسائلا: "أي عقلية يملكون؟".
ويتابع الشرقاوي: لا أستوعب أن فلسطينيا ينسق أمنيا مع الاحتلال، مشيرا إلى أن التاريخ سيكتب عن التنسيق الأمني أنه "خدش كرامة الشعب الفلسطيني".
ضرر مستقبلي
وينبه الخبير الأمني والعسكري إلى أن جوهر التنسيق الأمني هو "ضرب حاضنة المقاومة" سواء كانت سلمية أو مسلحة، رغم أن اتفاقية جنيف الرابعة تعفي الشعب الواقع تحت الاحتلال من أي تنسيق أمني مع محتله.
ولو لم تنسق السلطة أمنيا مع الاحتلال لزادت كلفة الأخير، لكن التنسيق الأمني يجعله "أربح احتلال في العالم"، والكلام لا يزال للشرقاوي.
ويضيف: لا أتصور أن شعبا يقبل بهكذا وضع، مردفا: "هذا الاحتلال ممول"، والسلطة لا تملك استراتيجية لمجابهته.
ويحذر الشرقاوي من أن ضرر التنسيق الأمني على القضية الفلسطينية "سيظهر مستقبلا".
من جهته، يقول القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بدران جابر: إن الشعب الفلسطيني مستهدف، والمطلوب من قيادة السلطة أن تسمع نبض الشارع.
ويستهجن جابر استمرار السلطة في رهن نفسها للمفاوضات التي ثبت فشلها منذ 26 سنة، مؤكدا أنه يتعين على السلطة استخلاص العبرة ومفادها أن هذا الاحتلال لا يمكن أن يرضى بالفلسطينيين "إلا أمواتا".
ويصف كل محاولة من السلطة لتبرير أي علاقات منسوجة على قاعدة الاتفاق مع الاحتلال بأنها "عنوان غباء سياسي".
ويطالب القيادي في "الشعبية" بما هو أبعد من وقف التنسيق الأمني، بقوله: يجب إعادة النظر في العلاقة مع الاحتلال، وبناء استراتيجية وحدة وطنية لدفع المقاومة إلى الأمام وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وحمايته من تغول الاحتلال.