رأى مختصون في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي أن مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية وأدواتها إلى جانب فصائل المقاومة أسهمت إلى حدٍّ ما في إلزام الاحتلال تخفيف حدة الحصار عن قطاع غزة.
وتسبب الحصار المشدد الذي يفرضه الاحتلال على قطاع غزة منذ 13 سنة في معاناة كبيرة للغزيين، بما يشمل حرمانهم من حرية التنقل والحركة، ومفاقمة أزمة الكهرباء المزمنة، وتضييق مساحات الصيد وملاحقة الصيادين، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتراجع الاقتصاد، وغيرها.
يقول المحلل السياسي مصطفى الصواف: إن رسالة المقاومة واضحة وهي أن المماطلة والتسويف من قبل الاحتلال الإسرائيلي ستجر المنطقة "إلى مواجهة غير محمودة العواقب"، مؤكدا أنه يتعين على الاحتلال إدراك هذه المسألة.
يضيف الصواف لصحيفة "فلسطين": إن على الوسطاء إيجاد الوسائل التي يجبرون بها الاحتلال على تنفيذ ما تعهد به، "وإلا ستكون الأوضاع في قطاع غزة غاية في الخطورة وعلى الجميع تحمل المسؤولية".
ويلفت إلى أن الاحتلال بطبعه مماطل ومسوف لكنه طالما يجد القوة التي يمكن أن تجبره على الالتزام بما تعهد به سواء من المقاومة أو حتى من الوسطاء، فسيمضي في تعهداته.
وقبيل المسيرة المليونية شرق قطاع غزة السبت الماضي، أوضح رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية، أن المباحثات كانت تجري حول وقف النار والعدوان وإدخال المساعدات الإنسانية وتنفيذ المشاريع وفتح المعابر والصيد ومشاريع التشغيل ومعالجة القضايا المزمنة كالكهرباء وغيرها، وذلك على طريق إنهاء حصار القطاع وتجنيبه المزيد من المعاناة التي سببها الاحتلال والحصار والعدوان.
وركزت أيضًا على قضية الأسرى والتطورات الأخيرة في سجون الاحتلال وخاصة ما جرى في سجن النقب من قمع وهجمة يتعرض لها الأسرى، إلى جانب حضور قضية القدس وباب الرحمة بقوة على طاولة التداول، كما أكد هنية آنذاك.
وعن مقومات القوة التي يملكها الشعب الفلسطيني، يذكر الصواف أن مسيرة العودة السلمية جزء من هذه المقومات وإذا لم يتحقق ما سعت إليه المقاومة والشعب الفلسطيني يمكن التعامل مع الاحتلال بالأدوات الخشنة وأخيرًا الوصول إلى "الاشتباك المسلح"، وحينها سيعيد الاحتلال التفكير مرة أخرى كما حدث في الأيام الماضية.
ويؤكد الصواف أن للانتخابات الإسرائيلية دور فيما يجري وفي التزام الاحتلال بجزء من هذه التفاهمات، وفي مرحلة ما بعد الانتخابات إذا استمرت المماطلة والتسويف فإن الرد سيكون واضحا من المقاومة وفق ما أكدت عبر أدبياتها المختلفة، وعلى الجميع أن يعي أن التسويف معناه استمرار الحصار الذي يعني بدوره الانفجار في وجه الاحتلال.
من جانبه، يقول الاختصاصي في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت: إن أجندة (إسرائيل) مضبوطة الآن على إيقاع الانتخابات المقررة في التاسع من الشهر الجاري، وهي لا تريد أي تصعيد أمني لأن من شأنه أن يؤثر على نتائج الانتخابات.
ويرى شلحت في حديث مع صحيفة "فلسطين" أن الاحتلال يربط التزامه بالتفاهمات بما إذا كان هناك "هدوء" فعلا وينطبق ذلك حتى على ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، لكنه يقول في الوقت نفسه: إن الاحتلال عمليًّا لا ينوي اتخاذ إجراءات تلغي الحصار كاملًا.
من جهته يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس د. هاني البسوس، أن ما يسعى إليه نتنياهو هو نوع من "التفاهمات اللحظية لتخطي أزمة سياسية يعيشها الكيان الإسرائيلي عشية انتخابات الكنيست"، قائلا: تحاول (إسرائيل) إبقاء الوضع في قطاع غزة كما هو من حصار مع إعطاء بعض الإجراءات حتى لا تنفجر الأوضاع.
ويقول البسوس لصحيفة "فلسطين": قوات الاحتلال غير معنية بالتصعيد العسكري المفتوح مع قطاع غزة على الأقل في الوقت الحالي.
ويرى أن هذه التفاهمات قد تكون "في مهب الريح" عند تغير الوضع السياسي الظرفي الحالي في (إسرائيل).
ويتابع: "من المبكر القول بأننا على أعتاب مرحلة جديدة يكون فيها كسر الحصار قاب قوسين أو أدنى".
وعن سبل إلزام الاحتلال بتفاهمات كسر الحصار، يعتقد البسوس أن الوسطاء "لا يستطيعون" إلزام (إسرائيل) التي تروج لكونها "الطرف الأقوى في المعادلة"، في ظل أن المجتمع الدولي معني بـ"أمنها" بالدرجة الأولى، وبـ"الهدوء" في القطاع بالدرجة الثانية.
وأول من أمس أكد هنية أن غزة أصبحت تصنع الأحداث الكبرى وتنتصر للقدس وكل فلسطين، وأنها تعاظم قوتها ليس للدفاع عن نفسها فقط بل عن القدس والأقصى والأسرى الذين يتعرضون لهجمات شرسة تهدف لكسر إرادتهم الصلبة.