فلسطين أون لاين

حصار غزة ينهش 3 أشقاء ولدوا بـ"أنصاف أجساد"

...
الأشقاء الغزيون الثلاثة الذين ولدوا بأنصاف أجساد (الأناضول)
غزة - الأناضول

تحت سقف صفيح من "الزينكو"، داخل منزلٍ لا تتوفر فيه مقومات الحياة الأساسية، يتأرجح الطفل محمود الشريف (7 أعوام)، بنصف جسده على حبلٍ من القماش، تدلى من السقف، لينتقل بعد دقائق للعب مع أخته سجود (9 سنوات) بحالتها المشابهة له.

وخلال لعبهم، يطلق الطفلان العنان لضحكاتهم، غير آبهين بفقدهم لأنصاف أجسادهم.

وولدت "سجود" وشقيقيها "محمود" و"أنس" الشريف، من مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، بـأنصاف أجساد، بدون أطرافهم السفلية وبعض أصابع أيديهم، نتيجة إصابتهم بخلل جيني وراثي، كان قد تسبب بنفس الإعاقة لأحد أقربائهم قبل خمسين عاماً.

وتبدو عملية تركيب أطراف صناعية بديلة عن الأقدام للأشقاء الثلاثة، أمراً شبه مستحيل، خاصة داخل القطاع المحاصر.


كما أن خلو أجسادهم الصغيرة من نتوءات لحمية (جزء من الخفذ)، كانت ستساعدهم في تركيب الأطراف الصناعية لهم، زاد الأمر تعقيداً، في حين تشكّل قلة الإمكانيات الموفّرة للمراكز المعنيّة بذوي الاحتياجات الخاصة، تحدياً آخراً يقف عائقاً أمام حلم الأطفال بـ"أقدام صناعية".

ويعجز مركز الأطراف الصناعية الوحيد في قطاع غزة عن تركيب أطراف صناعية للأطفال بسبب عدم توفر الأطراف المناسبة لحالتهم داخل القطاع، كما قال عماد الشريف، والد الأطفال.

ويحتاج الأطفال الثلاثة لأطراف صناعية تركّب عند مفصل الحوض، بحسب ما قاله الأطباء لوالدهم، وهي غير موجودة في القطاع، حيث يَحول الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة لعامه العاشر على التوالي، من إدخال أدوات وأجهزة وأودية ومستهلكات طبية.

وبعد بحث طويل، وجد الشريف حالات مشابهة لحالة أطفاله الثلاثة نجحت عملية تركيب تلك الأطراف الصناعية لهم، لكن في ألمانيا.

وبيّن والد الأطفال، وهو عاطل عن العمل، أن حالة الفقر التي يعيشها تعيقه عن محاولة سفر أطفاله للعلاج، مشيراً إلى أن الحصار وإغلاق المعابر يفاقم مشكلة البحث عن أطراف لهم.

ووفقاً لتقارير أعدتها مؤسسات دولية، فإن 80٪ من سكان قطاع غزة باتوا يعتمدون، بسبب الفقر والبطالة، على المساعدات الدولية من أجل العيش.

ينظر الأب إلى أطفاله بحزن قائلاً:"عندما تطلب مني سجود تركيب أطراف صناعية لتتمكن من المشي كما صديقاتها في المدرسة أشعر بالأسى، لعجزي عن تنفيذ طلبها".

وتابع:"يمشي أطفالي داخل المنزل على أيديهم، في اليد الواحدة إصبعان غليظان، يمكن القول أنهما حلّا مكان الأقدام، ويقومان بوظيفتهم".

ويصف الشريف المحاولة التي أوجدها أطفاله للمشي دون أقدام، بـ"السباحة في الهواء"، إذ يعتمدون بشكل كلي على أيديهم في المشي.

ويضع الأطفال أصابعهم الغليظة على الأرض، يسندون أجسادهم ويلقون بكامل قوتهم على أيديهم، ومن ثم يبدؤون بالمشي على الأيدي، مما يُشعرهم بالتعب، نتيجة الجهد المضاعف مقارنة عما يبذله الأطفال الطبيعيون.

كما تعرضت أيديهم وأجسادهم الصغيرة للخدوش، نتيجة المشي على الأرضية الخشنة (من الاسمنت) في منزلهم الواقع بالطابق الرابع.

فيما يتخوف الشريف على أرواح أطفاله عند استعمالهم لدرجات السلم الداخلي في المنزل، سيّما أنه لا يحتوي على معايير الأمان، إذ يمكن لهم أن يسقطوا عنه في حال آتوا بحركة خاطئة أثناء "سباحتهم على أيديهم".

ووضع الشريف سوراً غير منتظم من بقايا أعمدة حديدية على حافة السلّم، كي يحمي أطفاله من السقوط.

ويعجز الوالد العاطل عن العمل من توفير متطلبات أطفاله الثلاثة الأساسية بسبب الفقر، سيّما عندما يتعلق الأمر بالأدوية والعلاجات الخاصة بهم.

أما الابن الأصغر أنس (9 أشهر) والفاقد لأطرافه السفلية وأصابع يديه، فيعاني من حالة إعياء بعد خضوعه لعملية شق "فتحة الشرج"، فور ولادته، ولازال يحتاج لأدوية ومستلزمات تفوق القدرة الاقتصادية للعائلة، حسب والده.

وأضاف:"لا زال أنس بحاجة لعملية أخرى، لكنني سألت عن هذه العملية، فمن يخضع لها في غزة لا ينجو، لذا يتطلب الأمر أن أعالجه في الخارج، لكن الوضع الاقتصادي لا يسمح لي بذلك".

ولجأ الشريف إلى جمعيات خيرية ومراكز تُعنى بـذوي الاحتياجات الخاصة، لكنّه لم يلق أي موافقة على تقديم المساعدات لعائلته المكوّنة من سبعة أفراد، بينهم ثلاثة أطفال بلا أقدام.

ويعيش حوالي 1.8 مليون مواطن في قطاع غزة واقعاً اقتصادياً وإنسانياً قاسياً، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي.

وبحسب إحصائية صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية، فإن هناك ما يقارب 2,5 % من من سكان قطاع غزة البالغ عددهم (1.9 مليون نسمة) من الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يبلغ عدد المشمولين في برامج الحماية نحو( 39877 ) شخص.

وتقول الوزارة إن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، منذ عام 2007، يضاعف معاناة المعاقين.