يبدو أن البطولة والتضحية قد باتت خصيصة لشعب فلسطين. الله سبحانه اختص أهل فلسطين بالرباط والشهادة، بينما يقاتل العرب بعضهم بعضا في قتال ينكره الشرع، وتنازع يمقته رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهل فلسطين، وسكان غزة على الأخص، الوحيدون الذين يقاتلون قتالا مشروعا، وغيرهم في بلاد العرب يغدرون بشبابهم، قتلا، واعتقالا، وقمعا، ويزعمون أنهم حراس الدين والوطن والشعب.
إنه لا قتال مشروع اليوم في بلاد العرب غير قتال المحتل الصهيوني، وليست هناك أولويات في الشهادة والتضحية إلا ما كان منها على أرض فلسطين، لذا لا يجدر بنا أن نستكثر على الله ثم على أرض الأنبياء والمقدسات ما نشرته الإحصائيات من أعداد.
نشرت وزارة الصحة بغزة أن 266 فلسطينيا استشهدوا خلال العام الأول لمسيرات العودة، وأصيب بجراح 30398 مواطنا، بينهم 3175 طفلا، و1008 من النساء، و373 صحفيا، 665 مسعفا؟! وقالت الأونروا: إنه قتل من طلبتها 13 طالبا، وجرح 227 طالبا، ومعظمهم بين 13-15 عاما. وقال بيان الأونروا: إن آلافا آخرين ستظل إصاباتهم لازمة لهم للأبد?!
هذه التضحيات الكبيرة سببها المباشر هو العنف والإفراط الصهيوني المتعمد في استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين السلميين خلافا للقانون الدولي والإنساني في التعامل مع المظاهرات الشعبية.
إن لمسيرات العودة الكبرى، وهي مسيرات شعبية سلمية، أهدافا وطنية دون التحرير واستعادة الوطن المغتصب، هي تريد رفع الحصار، واستعادة الحياة الطبيعية لسكان غزة، واستعادة سوق العمل، وخفض نسب الفقر، التي تسبب بها العدو والحصار.
إن التضحيات الكبيرة كما أشارت إليها الإحصاءات لما تحقق أهداف المسيرات، وهذا يرجع إلى تعنت العدو، وتخاذل المجتمع الدولي والعربي، وفي نظر الهيئة الوطنية لمسيرات العودة فإنه لا تراجع عن المسيرات، ولا عن فعالياتها، حتى تحقق أهدافها، وحتى يتراجع العدو عن تعنته وعدوانه. غزة ضحت، وقدمت الشهداء والجرحى، وستواصل الطريق، ولن تخيفها تهديدات العدو بحرب موسعة ضدها، فقد خاضت غزة ثلاث حروب كسرت فيها شوكة العدو، وقيام حرب رابعة ستكون بإذن الله بداية انهيار الكبرياء الإسرائيلي. غزة لا تتمنى الحرب، ولكنها على موعد بإذن الله مع النصر، لأن قتال اليهود المحتلين لفلسطين هو القتال المشروع في هذا الزمن، وغيره عبث وربما فتنة، وإن الجهاد ماض إلى يوم القيامة بعز عزيز وبذل ذليل، ولا يوقفه تنسيق ولا تطبيع، ولا علو عدو، ولا ضعف صديق وحبيب.