مسيرات العودة الكبرى أو كما تسمى الآن "مسيرات العودة وكسر الحصار"، كانت وما زالت الفكرة الجامعة المانعة، التي اتفقت عليها كل قطاعات شعبنا الفلسطيني، مع أن العقل الجمعي في غزة تحديدًا، لم يتربّ على ثقافة المقاومة السلمية.
وتعرضت المسيرات من قبلِ أن تبدأ لمحاولات وأد إسرائيلية وعالمية.. وفلسطينية، لأنها تشكل خطرًا إستراتيجيًا على (إسرائيل) وأمريكا ومن دار في فلكهما، ولكنها انطلقت في الثلاثين من آذار انطلاقةً أصخبت العالم، وأعادت القضية الفلسطينية إلى محوريتها، ووجهت الأنظار مجددًا نحو قضيتين مركزيتين: أولًا/ حق العودة الفلسطيني، الذي حاول العالم إسقاطه والتلاعب في التعريفات الدالة عليه، وثانيًا/ الحصار الإسرائيلي على غزة، والذي في عامه الثالث عشر، ما زال يضرب أطنابه على كل مناحي الحياة الغزية.
هاتان القضيتان أصبحتا حديث الإعلام العربي والغربي الأسبوعي، وبات من الصعب تجاهلهما في النشرات والصفحات الرئيسة، وهذا بفضل مسيرات العودة وكسر الحصار، لذا كان من الضروري –لدى (إسرائيل) أولًا– أن تُوأد الفكرة، وتموت صورة الفلسطيني الأعزل الذي يقف أمام جندي مدجج في سلاحه خلف سلك شائك، ليطلق عليه الأخير النار فيرديه شهيدًا أو جريحًا، هذه الصورة الأسبوعية ضيقت على اللوبي الصهيوني أفق الكذب والتدليس الذي كان يمارسه في وصف أهل غزة بالقنابل الموقوتة!
من جهة ثانية تعد مسيرات العودة من وجهة نظر أمريكا –التي أطلقت "صفقة القرن"– العائق الأكبر في وجه تحقيقها، ولولا هذه المسيرات وبعض الأحداث الإقليمية الأخرى، لكانت صفقة القرن مطبقة، أو في مراحل تطبيقها الأخيرة.
أما السلطة الفلسطينية، التي كانت تنادي بفكرة المقاومة السلمية، فتخلت عن فكرتها بانطلاق المسيرات السلمية، وحاربتها بل أعدمتها في الضفة الغربية، وهذا ليس بسبب دخول فصائل فلسطينية كحماس والجهاد فيها، بل لأن فكرة المسيرات السلمية، لا تخدم السلطة الفلسطينية، التي تعد من أهم وظائفها المحافظة على الهدوء والاستقرار في مناطق سيطرتها (أو شبه سيطرتها)!
محاولات الوأد أخذت أشكالًا كثيرة، بدءًا بتصعيد العدوان الإسرائيلي سواءٌ في شرقي القطاع أو في عمقه، مرورًا بالمنح والصفقات وعرض الامتيازات، وليس انتهاءً بتغيير بوصلة الشعب من ثورته تجاه الاحتلال كمتسبب رئيس في معاناته، إلى أطراف أخرى قد يكون عليها ذنب وتقصير، لكنها ليست من أوصل غزة إلى هذا الحال.
هنيئًا لشعبنا مواصلة مسيراته، والرحمة لشهدائنا الكرام، والشفاء لجرحانا البواسل، وأختم بدعوة لتقييم المسيرات ومعالجة بعض هَنّاتها، حتى لا نترك لمن يريد وأدها أي منفذ أو سبيل.