فلسطين أون لاين

غارات الاحتلال أفقدت العديد من الفلسطينيين منازلهم

"مكالمة" وصاروخان.. حكاية تشريد "الغزالي" وأطفاله الـ12

...
صورة أرشيفية
غزة/ نبيل سنونو:

"المخابرات الإسرائيلية معك.."؛ تفاجأ الغزي محمد الغزالي بهذا الاتصال الذي اضطره للعودة بسيارة أجرة يكسب منها قوت يومه، قائلا بصدمة وترقب: "ايش في؟"، قبل أن يواصل المتصل بلغة عربية: "بنذرك خمس دقائق لإخلاء العمارة وإياك ثم إياك تسكر الجوال".

وبدأت حكاية تشريد الغزالي وأطفاله الـ12 الذين أنجبهم من زوجتين، أثناء انهماكه في العمل، عندما تلقى هذا الاتصال قبل السادسة مساء، أول من أمس.

تلقي الغزالي مثل هذه المكالمة بحد ذاته كان كفيلا بإرباكه، كون الفلسطينيين لا يتعاملون إطلاقا مع الاحتلال الإسرائيلي.

رد الرجل الثلاثيني، على عنصر مخابرات الاحتلال قائلا: عندي 12 طفلا، ماذا أفعل بهم؟ كيف سأتمكن خلال خمس دقائق من إخلائهم؟ منهم من يلعب، وآخرون نائمون.

لكنّ ذلك لم يكن دافعا للاحتلال للتراجع عن نوايا ارتكاب جريمة بحق مجموعة أسر فلسطينية يبلغ عدد أفرادها نحو 50 مواطنا، من بينها أسرة الغزالي التي كانت تقطن في هذه العمارة الواقعة بحي الرمال وسط مدينة غزة المكتظ بالمواطنين.

وما كان من المحتل الإسرائيلي المتصل إلا أن يقول له: أنا أنتظر على الخط، فهرع الغزالي إلى إجلاء أبنائه مضطرا لئلا يستشهدوا بفعل القصف القادم.

أنزل الغزالي الأطفال واحدا تلو الآخر، ومنهم من يبلغ عاما واحدًا فقط من عمره، وآخرون يبلغون عامين وأربعة أعوام، وما شابه.

ثم طلب عنصر المخابرات من الغزالي الابتعاد عن منزله مسافة 50 مترًا، حسبما يروي لصحيفة "فلسطين".

وكان سقوط صاروخين أطلقتهما طائرة استطلاع تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي على هذه العمارة، سريعا.

وطلب الغزالي من هذا العنصر التراجع عن قصف المبنى، لكنه رد عليه قائلا: "أنتم مخربون"؛ على حد زعمه، فقال له: "احنا لا مخربين ولا غيره"، مضيفا: ثم ماذا تراني أخلي من العمارة؟ صواريخ أم أطفالا؟

وأبلغ هذا المواطن الأعزل، عنصر المخابرات أنه في حال قصف منزله سيصبح بلا مأوى، في ظل وضعه الاقتصادي الصعب.

صاروخان من طائرة حربية تابعة لجيش الاحتلال من نوع "إف 16" كانا كفيلين بتحويل العمارة إلى أثر بعد عين.

لجأ الغزالي وأسرته إلى بيوت الجيران حيث توزعوا عندهم، وتشتتوا قبل أن يتوجه الأطفال إلى بيت جدهم الذي لا يملك القدرة على إعالتهم، والكلام للأب المشرد.

وبحسب الغزالي، كانت العمارة مكونة من ثلاثة طوابق، ينقسم كلٌ منها إلى شقتين سكنيتين.

ومن على أطلال منزله الذي أصبح يلتقط عليها الصور برفقة أبنائه، يؤكد أنه ليس بإمكانه إعادة بنائه أبدًا لعدم مقدرته المالية، قائلا: أعمل على سيارة أجرة وأجمع في اليوم الواحد 15 شيقلا فقط (حوالي أربعة دولارات).

غضب

"تعال يا إبراهيم"؛ نادى الأب على طفله إبراهيم البالغ من عمره 12 عاما، بينما كان مشدوها من هول ما يراه. لقد تحول بيته الذي تعلق ذكريات كل ركن منه في عقله وقلب الطفولي، إلى ركام، وما يشبه "مزارا" يقصده الحقوقيون والصحفيون والمتضامنون.

وبوجهه المستدير الذي زاد سمرته غبار الركام، يقول الغزالي: إنه يعتزم نصب خيمة على أطلال منزله المقصوف كليا.

ولم تسعفه الصدمة على الحديث كثيرا، إلا بتلك الكلمات التي ينبض بها شعوره المشتعل غضبا على الاحتلال: "أنا تدمرت، اللي صار عندي فاجعة".

وحتى إبراهيم الذي أنصت لأبيه جيدًا إلا عندما اضطره الألم لأن يسرح بعيدا في مخيلته، لن ينسى أن هذه لم تكن مزحة، وإنما جريمة متكاملة الأركان ارتكبتها قوات الاحتلال وبدأت بمكالمة هاتفية تبعتها الصواريخ.

لم يتمالك الأطفال حينئذ أنفسهم، فشرعوا في البكاء.

أما مصعب ذو الـ10 أعوام، يقول: لم يعد لدينا بيت، كانت هذه –يشير بيديه إلى الركام- دارنا، وقصفوها.

وكان أبلغ القول الذي نطق به مصعب هو: "حسبي الله ونعم الوكيل" عندما كان يحاول الرد على هذه الجريمة.

بينما الأب ليس بوسعه الآن إلا انتظار أن تنظر إليه كل جهة مقتدرة على مساعدته في إعادة بناء منزله، "بعين الرحمة والرأفة؛ لأجل هؤلاء الأطفال والرضع"؛ وهو ما يتمم به حديثه.

لكن هذه ليست الأسرة الوحيدة التي شردتها صواريخ الاحتلال الإسرائيلي، إذ إن عشرات الغارات التي شنها الأخير على القطاع المحاصر، منذ أول من أمس، سلبت مأوى العديد من الفلسطينيين ومنهم سيدة كانت تحضر لزفاف ابنتها المقرر يوم الجمعة القادم.

وانتشر مقطع "فيديو" لهذه السيدة كالنار في الهشيم، عندما كانت تصرخ من على ركام منزلها، قائلة: "عنا فرح يوم الجمعة، كيف بدي أطلع بنتي؟"؛ في إشارة إلى عادة زفها إلى عريسها انطلاقا من بيت العائلة.

ولا يزال صراخ أصحاب البيوت المدمرة قائما، بعد أن كانوا هدف جيش الاحتلال الذي واجه هؤلاء العزل بأسلحته الفتاكة.