فلسطين أون لاين

الضحايا يفرون من بطش الاحتلال والحصار وآمالهم تتحطم في بلجيكا

2000 مهاجر فلسطيني "صيد ثمين" للعصابات في رأس الرجاء "المميت"​

...
صورة خاصة لمسار الطريق من غزة مرورا بدول شمال أفريقيا وصولا إلى بلجيكا
تحقيق استقصائي/ يحيى اليعقوبي:


الحلقة الثانية والأخيرة

الرحلة تبدأ بـ«موريتانيا ومالي والجزائر والمغرب» في إفريقيا مرورًا «بإسبانيا وفرنسا» في أوروبا انتهاءً بـ«بلجيكا» المحطة الأخيرة

بوابة الهجرة الجديدة تمر بمناطق أخطر العصابات بصحراء مالي والجزائر

العصابات وضعوا كمائن وحواجز جديدة طوال الطريق نتيجة زيادة أعداد المهاجرين لاستغلالهم.. وموريتانيا بدأت في وضع شروط بعدما زادت نسبة الإقبال

«هلال».. فلسطيني في مصر ينتظر فرصة للهجرة إلى أوروبا عبر الطريق: «إذا امتلكت الأموال سأتحرك».. والوضع الاقتصادي في غزة ما دفعني لذلك

عدد اللاجئين في بلجيكا بلغ قرابة 20 ألف مهاجر بعد عام 2014.. والدولة الأوروبية تشترط من كل لاجئ التنازل عن جنسيته والإقرار على استمارة «بلا وطن» للحصول على إقامة.. و70% من الفلسطينيين وقعوا عليها

50% نسبة النجاة في الرحلة البحرية من «موريتانيا المغرب – بلجيكا».. والطريق البري يواجه خطر قطاع الطرق وهجماتواعتقال من قبل قوات الأمن

«شباب السلام» ببلجيكا: أغلب المهاجرين تصدر بحقهم أوامر مغادرة أو تعليق ملف إقامتهم.. ومكاتب السفر بـ«غزة»: هناك هجمة كبيرة على تجديد جوازات السفر

نقيب المحامين بغزة: 52 ألف وكالة جواز سفر منذ 3 سنوات ونصف


"هلال ماضي" شاب فلسطيني ثلاثيني يقبع في القاهرة منذ سنوات عدة، منتظرًا فرصة للهجرة إلى الخارج، أو الحصول على الإقامة في مصر من أجل الحصول على حياة كريمة بعد توقف حياته تمامًا في قطاع غزة بسبب الأوضاع الاقتصادية التي أجبرته على الخروج من القطاع من أجل العمل والحصول على أموال لإعالة أبيه وإخوته الـ7 الذين يعيشون في غزة وتعطلت كل أعمالهم.

"إذا توفرت الأموال سوف أسافر إلى أوروبا بالطبع، فأنا أنتظر ذلك".. بهذه الكلمات بدأ ماضي سرد قصته لفريق التحقيق، مضيفًا أنه إذا توفرت الإقامة في مصر فلن يغادرها إلى أي مكان نظرًا لاستقرار الأوضاع الاقتصادية، ومعاملة أهل مصر.

صحيفة "فلسطين" تكشف في الحلقة الثانية من هذا التحقيق المعد بالتعاون مع صحيفة "الوطن" المصرية، أعداد اللاجئين الذين مروا من طريق الهجرة عبر موريتانيا ومالي والجزائر والمغرب ثم إسبانيا وفرنسا وصولا إلى بلجيكا، وواقع الحياة في بلجيكا الذي يتفاجأ به المهاجر الفلسطيني.

تُظهر صور ومقاطع مصورة خاصة لتلك الطريق -حصلنا عليها- خطورة هذا المسار نظرًا لعدم وجود أي من أفراد الجيش أو شرطة كل الدول التي يسلكها المهربون، في كثير من الحالات يقع المهاجرون ضحية لاحتيال المهربين الذين يتعمّدون سلوك طرق فيها عصابات، تعقد اتفاقات مسبقة ببينهم وبين قطاع طرق لوضع كمائن واستنزاف أموال المهاجرين.

منزل أحد المهربين في صحراء موريتانيا

ويضيف الشاب الذي يبلغ من العمر 32 عامًا أنه لم يستطع استكمال تعليمه في قطاع غزة، وكان يعمل قبل سنوات في مجال البناء ويحصل على أجرة يومية 100-150 شيكلا، لكن في الفترة الأخيرة لم تزد أجرته على 10 شواكل "50 جنيها مصريا"، ما دفعه إضافة لوضع أسرته وتعطل إخوته الذين يعيلون أطفالا عن العمل للتفكير بالهجرة.

ويستطرد ماضي: "بدنا نعيش زي بقية العالم.. مش مفيش شغل.. دا مفيش حياة خالص، لا كهربا ولا مية ولا أمن ولا حرية".

من غزة إلى القاهرة، ومنها إلى موريتانيا، ثم الجزائر والمغرب وإسبانيا، وأخيرًا بلجيكا، كانت الرحلة المقترحة أمام ماضي التي سلكها العديد من أبناء شعبه في قطاع غزة وصولًا إلى أوروبا، مضيفًا: "لو أمتلك الأموال سأسلك هذه الطريق لتحقيق حياة أفضل، لأنه حتى الآن عملي في مصر غير مستقر، ولكن إذا حصلت على الإقامة سأستمر هنا".

وأوضح ماضي أن موريتانيا فتحت أبوابها أمام من يريد سلوك هذه الطريق العام الماضي –كونها لا تطلب تأشيرات بالنسبة للفلسطينيين-، إلا أنه وبعد أشهر عدة وُضعت قيود، ولكن كطريق للهجرة مستمرة حتى الآن، مشيرًا إلى أن السلطات الموريتانية وضعت شرطًا لدخول البلاد وهو أن تكون هناك دعوة من شخص داخل البلاد حتى يستطيع السفر إليها.

بلجيكا "الكابوس"

وإن استطاع المهاجرون اجتياز طريق موريتانيا والوصول إلى بلجيكا فإن التحديات والمغامرات لا تنتهي كما يعتقد البعض، فحسب مصادر فلسطينية خاصة في بلجيكا فإن أعداد اللاجئين والمهاجرين الفلسطينيين في بلجيكا بلغ منذ عام 2014م قرابة 20-22 ألف لاجئ، النسبة الأكبر منهم من غزة، بعدما كان عددهم لا يتجاوز ألف لاجئ قبل ذلك التاريخ.

وتظهر المعلومات التي حصلنا عليها من مصادر أخرى أن عدد المهاجرين الفلسطينيين الذين وصلوا بلجيكا من طريق موريتانيا نحو 2000 لاجئ، وأن موريتانيا في المدة الأخيرة بدأت تطلب الحصول على "فيزا" بعدما كان السفر إليها دون "فيزا" لأنها شعرت أنها أصبحت بوابة للهجرة.

وعندما يجتاز اللاجئ طريق موريتانيا ويصل إسبانيا فإن الأخيرة تأخذ بصمته، وبالتالي قد يحصل اللاجئ على إقامة بعد ستة أشهر من وصوله بلجيكا، والبعض الآخر قد يعاد مرة أخرى إلى إسبانيا، وفي إطار التحقيق وثقت "فلسطين" حالات عدة أعيدت.

«بلا وطن»

سفير السلطة في بلجيكا عبد الرحيم الفرا لم يستجب لمراسلات فريق التحقيق، لكن ممثل الاتحاد الشبابي الأوروبي الفلسطيني في بلجيكا نادر أبو عمرة قال لـ"فلسطين": "إن اللاجئ الفلسطيني بعدما يصل بلجيكا تطلب منه الأخيرة الوقوف أمام محكمة عسكرية وتقديم أنه (بلا وطن) كي يحصل على إعفاء من العمل واللغة ودورة الاندماج مع المجتمع.. تبين أن كل هذا غير صحيح، ولا يوجد شخص حصل على الجنسية قبل خمس سنوات من عيشه في بلجيكا، رغم أن هناك نحو 70% من الفلسطينيين قدموا لـ(بلا وطن)، متهما قيادة السلطة برام الله بالتعاون في تشجيع الشباب على هذا الأمر.. رغم إضراره بحق العودة، باعتبار أن بلجيكا تمنع الحصول على جنسية مزدوجة بلجيكية وفلسطينية"، وفق قوله.


وثيقة التنازل

الواقع الذي يعيشه اللاجئ ببلجيكا، وفق أبو عمرة، ليس كما يتخيله القادمون، مبينا أنه في بداية وصوله يحصل على 45 يورو أسبوعيا، وبعضهم يحصل على 7 يورو أسبوعيا، والبعض الآخر يتقاضى 72 يورو في الأسبوع، وذلك حسب "الكامب" (مخيم اللاجئين الذي يوضعون فيه)، في حين يحصل بعد الإقامة على 890 يورو أو 1190 يورو شهريًا بعد حصوله على الإقامة.

ويقول نائب الأمين العام لمنظمة شباب السلام في بلجيكا محمد النعيمي: "إن هناك نحو 200 فلسطيني تقدموا لمنظمته بخصوص رفع دعاوى قضائية للحصول على إقامة"، مشيرًا إلى أن المنظمة بصدد فتح خطوط تحاورية مع البرلمان الأوروبي لإنهاء أزمة اللاجئين وإعطائهم إقامة، لأن أغلبهم تصدر بحقهم أوامر مغادرة أو تعليق ملف إقامتهم.

هل يتم الترحيل قسريا؟ يجيب النعيمي "أن بلجيكا لديها أنظمة وقوانين، وعندما يصل ملف اللاجئ لطريق مسدود حسب الأسس القانونية يعطونه أمرا بالترحيل"، مبينًا أن قضية تقديم المهاجر أنه "بلا وطن" هي وضع خاص لأهل غزة، مؤكدا أن معظم من حصلوا على إقامات بلجيكية قدموا أنهم "بلا وطن"، ويختلف مع أبو عمرة في هذه النقطة قائلا: "إن بلا وطن عذر إنساني كي يعيش حياة كريمة، فأي إنسان لا يمكن أن يتنازل عن وطنه، فلا توجد أي طريقة للحصول على الحقوق إلا من خلال تقديمها".

وهناك حالة مشابهة لما يحدث في بلجيكا، قد تحرم هؤلاء اللاجئين من العودة بعد توقيعهم أنهم "بلا وطن"، فالمسافر عبر حاجز بيت حانون/ إيرز شمال قطاع غزة باتجاه معبر الكرامة بين الضفة الغربية والأردن، يتعرض لابتزاز من جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن يمضي بعضهم على ورقة بعدم العودة لقطاع غزة. يقول مسؤول الشؤون المدنية في قطاع غزة صالح الزق لفريق التحقيق: "إن الفئة التي يأخذ الاحتلال تواقيع منهم على عدم العودة، هم الفلسطينيون الذين لديهم أعمال ووضع مستقر في الدول الخارجية، مثلا كدول الخليج، وهذا الأمر لا ينطبق على من يسافر من فئة التعليم، والدورات العلمية، والعلاج".


هجمة "تجديد الجوازات" في غزة


فريق التحقيق زار مجموعة من مكاتب السياحة والسفر في قطاع غزة، أجمع معظمهم على أن هناك إقبالا شديدا على تجديد جوازات السفر، وبعضهم وصف ما يحدث بـ"هجوم تجديد الجوازات"، يحدث ذلك في ظل إجراءات مقيدة على السفر خاصة إلى تركيا، فكيف إن كانت إجراءات السفر أسهل من ذلك؟

حسب المعلومات التي حصل عليها الفريق من نقيب المحامين في غزة عبد العزيز الغلاييني، الذي تختص نقابته في تصديق كل طلب جواز سفر، فإن عدد جوازات السفر التي تصدر لأهالي القطاع تقدر بنحو 15600 جواز "وثيقة" سفر سنويا، في حين يبلغ عدد طلبات إصدار وتجديد جوازات السفر من غزة إلى الضفة يوميا نحو 50 طلبا ما بين تجديد أو طلب إصدار جواز حديث، ويقول لفريق التحقيق: إن الطلب على تجديد جوازات السفر يشتد حينما تكون هناك إشاعات، مثلا كإغلاق معبر رفح، أو الإقبال على موسم العمرة.

ووفق نقيب المحامين، فإن عدد وكالات جوازات السفر التي صدقتها النقابة قبل إرسال مكاتب السفر الجواز لوزارة الداخلية الفلسطينية برام الله، بلغ عام 2016م (18644) وكالة جواز سفر، وعام 2017م بلغ (12566) جوازًا، وعام 2018م بلغ (15288) وكالة جواز، أما عام 2019م فبلغ (5976) وكالة لجواز سفر، بمعدل إجمالي 52 ألفا و474 وكالة جواز سفر.

"سيد الجوجو" صاحب مكتب "السيد" لتجديد جوازات السفر، ويعمل ضمن مجموعة مكونة من ثمانية مكاتب ترسل يوميًا بريدًا من غزة للضفة الغربية لتجديد جوازات السفر، يقول: "إنه منذ نحو عام هناك إقبال شديد على تجديد الجوازات، نرسل يوميا ضمن مجموعة مكونة من ثمانية مكاتب سفر بريدا للضفة به 30 جواز سفر".

"السنة الماضية كانت طرق السفر مفتوحة بشكل كثيرا، خاصة إلى تركيا، فيدفع المسافر الغزي 1500 دولار للحصول على تنسيق (تسهيل سفر بشكل عاجل) عبر معبر رفح البري إلى تركيا"، مشيرًا إلى أن وزارة الداخلية بغزة في الفترة الأخيرة اجتمعت مع معظم "منسقي السفر" وأبلغتهم أنه يمنع إجراء تنسيق للمسافرين.

لكن بعدما تراجعت عملية السفر من خلال تنسيقات السفر، وعاد الكثير من المسافرين الذين خُتم على جوزات سفرهم بـ"فيزا" تركية، بدأ الكثير من الغزيين بالتوجه لأداء مناسك العمرة، ومن هناك يسافر بعضهم إلى تركيا، ومنها إلى بلاد أوروبية، وفق الجوجو.

ظروف طاردة

الدكتورة الفلسطينية، ريم أبو جامع، رئيسة الاتحاد العربي للمرأة المتخصصة، والمطلعة على قضايا الهجرة، قالت إن قطاع غزة أصيب بظاهرة مرضية جديدة، وهو هجرة الشباب من مختلف الأجيال والعقول، مضيفة أنه "لم يكن في مخيلة أي عقل فلسطيني أن يهجر وطنه، السائد هو أن يعود المواطن الفلسطيني من المهجر إلى وطنه بكل السبل" وفق تعبيرها.

وأضافت أبو جامع لـ"فلسطين": "لقد اتسع ضنك الحياة بسبب الانقسام الفلسطيني، مشيرة إلى أن طريق خروج المواطن الغزي من قطاع غزة وصولا إلى بلد اللجوء، هي طريق شوك محفورة بمسامير سامة تغرس في جسد المهاجر.

ونبهت إلى الوضع الصعب في غزة في ظل ارتفاع نسبة البطالة إلى 52%، وعدم وجود إحصائيات رسمية للحالات التي هاجرت على مدار عشر سنوات، مشيرة إلى تكلفة الهجرة الكبيرة البالغة 10 آلاف دولار، بعضهم قتلتهم العصابات.

طريق الهجرة في صحراء مالي


المهاجرون في بيت أحد المهربين في مالي