ِمرَّ عامٌ على رحيل الشهيد الرسام محمد أبو عمرو (27 عامًا)، لكنَّ روح أعمال الفن والنحت التي تميَّز بها ظلَّت خالدة في قلوب وعقول الكثيرين في قطاع غزة، لكونها جسَّدت مناسبات وطنية ورموزًا فلسطينية بارزة.
لم يكن يبخل الفنان أبو عمرو في تجسيد حبه وتمسكه بالوطن وإيصال رسائل الشعب الفلسطيني في حقه في الحياة للعالم أجمع، من خلال تسخير موهبته في النحت على رمال البحر التي تستغرق منه سويعات.
في 28 مارس/آذار 2018، خطت أنامل أبو عمرو لوحة فنية على رمال شاطئ بحر غزة حملت عنوان "أنا راجع" إحياءً لذكرى يوم الأرض الـ42، أي قبل يومين من قدوم المناسبة، التي كانت تتزامن مع انطلاق مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية.
محمود أبو عمرو (23 عامًا) شقيق الشهيد، يقول: إن "محمدًا" نحت تلك الرسمة تجسيدًا لحبه وتمسكه بالوطن، وحقه بالعودة إلى الأراضي المحتلة منذ 1948.
لكن لم يكن محمد يعلم أن هذه اللوحة ستكون الأخيرة له، قبل أن تعانق روحه السماء في 30 مارس/آذار 2018، في أثناء مشاركته في مسيرات العودة وكسر الحصار شرق مدينة غزة، وفق ما يروى شقيق الشهيد لصحيفة "فلسطين".
بداية الموهبة
مطلع 2017 اكتشف محمد في نفسه موهبة النحت على رمال البحر، والتي سبقها حُبه وشغفه بفن الخط العربي من خلال التخطيط على الجدران الموجودة في منطقة سكنه، وبعض المناسبات الأخرى المحلية.
ويحكي محمود أن شقيقه محمد طوّر موهبته وعمل جاهدًا على استغلالها في تجسيد حبه للوطن والنضال الفلسطيني، وكانت هذه السمة التي تغلب على طبيعة رسوماته.
كانت التجربة الأولى لمحمد حينما توجه إلى شاطئ البحر مصطحبًا معه أدوات الرسم التقليدية، وبدأ ينحت كلمات وطنية مزخرفة كأسماء الشهداء والمناسبات الوطنية الفلسطينية، حسب ما يروى شقيقه.
ويُضيف أن "محمدًا كان يحوِّل كل ما يجول في خاطره من أفكار ومناسبات وطنية إلى واقع ملموس من خلال تنفيذها بالنحت على رمال البحر".
ومن أبرز أعمال النحت التي أنجزها محمد قبل استشهاده رسومات تتعلق بيوم الأسير والأرض والنكبة والشهيد مازن فقها و"غزة تنزف"، إضافة إلى بعض الأعمال الأخرى في المناسبات الوطنية الفلسطينية.
وبحسب أخيه محمود، فإن الشهيد كان يخطط لأن ينتقل بأعماله الفنية من محيط مدينة غزة المحاصرة، للمشاركة في المسابقات التي تُعقد في البلدان العربية.
ويُتابع أن محمد أنهى دراسة الثانوية العامة ولم يستطِع إكمال دراسته الجامعية بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة لدى عائلته، حيث كان يبحث عن فرصة عمل يستطيع من خلالها مساعدة أهله في ظل ظروفهم الصعبة، لكن عدم تحقق هدفه دفعه لاستكمال العمل على تطوير فن النحت على رمال البحر.
ومع حلول الذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة في 30 مارس/آذار الجاري، فإن "أبو عمرو"، يؤكد الاستعداد للمشاركة في فعاليات ذلك اليوم.
ويقول: "سنستمر على هذا الطريق ودرب محمد حتى العودة لقرانا وبلداتنا الفلسطينية المحتلة سنة 1948، لتوصيل رسالة الشعب الفلسطيني للعالم".
ويضيف: "يجب أن يعرف العالم أجمع أن قطاع غزة يضم شبابًا يمتلكون مواهب كبيرة، يرسخونها في حب الوطن والقضية الفلسطينية، عدا عن مطالبتهم بحقهم في الحصول على حياة كريمة ورفع الحصار المفروض على القطاع".
وكان الشهيد مُحمد هو الثاني الذي تقدمه عائلة أبو عمرو للوطن، حيث استشهد شقيقه إيهاب في 2008.
وإذ يتمالك نفسه وعلامات القوة والصبر تجتاح تقاسيم وجهه القمحي يردف: "كلنا في فلسطين وغزة تحديدًا مشاريع شهادة، وسنستمر على هذه الطريق، فهذه أرضنا وسنبقى نقاتل حتى تحرير كامل تراب فلسطين".
ويستعد الفلسطينيون لتنظيم مليونية العودة تزامنًا مع الذكرى الـ43 ليوم الأرض، التي توافق 30 من الشهر الجاري.