حينما وقعت عينيها على صورته المعلقة على الحائط، ثم جلست قرب كرسيه المتحرك، تسابقت دموعها على خديها المجعدين، هذا مشهد يومي تعيشه الحاجة اعتدال أبو ثريا، التي فقدت نجلها إبراهيم شهيدًا.
وإبراهيم أبو ثريا هو شاب من قطاع غزة، كانت قدماه بترتا في قصف إسرائيلي، واستشهد في جمعة الغضب التي وافقت 15 كانون الأول (ديسمبر) 2017م، خلال مشاركته في الاحتجاجات السلمية بمحاذاة السياج الفاصل شرق غزة، تنديدًا باعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس المحتلة "عاصمة" لكيان الاحتلال.
وانقلبت حياة "إبراهيم" -وفق قول والدته- رأسًا على عقب، عندما فقد ساقيه من فوق الركبة؛ نتيجة قصف استهدفه سنة 2008م شرقي مخيم البريج، وسط قطاع غزة.
وتضيف أبو ثريا لصحيفة "فلسطين": "منذ ذلك الوقت أصبح إبراهيم يتنقل بكرسيه المتحرك، ويحرص على المشاركة في التظاهرات والاحتجاجات المنددة بالاحتلال الإسرائيلي وجرائمه المرتكبة في القطاع"، مشيرة إلى أن إعاقته لم تمنعه من المشاركة في المسيرات السلمية التي انطلقت شرقي القطاع.
ولم يمنع بتر ساقي أبو ثريا (29 عامًا) من التوجه من منزله في أبراج القسطل بمدينة دير البلح وسط القطاع إلى ميدان العودة شرق غزة، كما تقول والدته التي تؤكد أن ابنها كان حريصًا على ذلك.
وتتوقف الأم لحظة محاولة حبس دموعها التي انسكبت على وجنتيها، لتقول: "طلب إبراهيم الشهادة فنالها، رحمه الله".
ذكريات لا تنسى
أما محمد أبو ثريا شقيق الشهيد فيقول: كان أخي لا يهاب أحدًا، ولا يهتم للرصاص الحي ولا الغاز المسيل للدموع الذي يطلقه جيش الاحتلال على المتظاهرين السلميين شرقي غزة، فكان كل همه الدفاع عن القدس التي هي عاصمة فلسطين".
ويؤكد أن إبراهيم لم يشكل خطرًا على جيش الاحتلال الإسرائيلي، فكان يحبو على الأرض بيد ويرفع علم فلسطين باليد الأخرى، متسائلًا: "ما الذنب الذي ارتكبه شقيقي ليقتل؟!، وما الخطر الذي يشكله على جيش الاحتلال؟!".
ويلفت إلى أن الشهيد إبراهيم كان حريصًا على إدخال الفرح والسعادة على كل أفراد أسرته المكونة من تسعة أشخاص، ويوفر احتياجاتهم، "فكان يوقظهم من النوم لتناول الطعام مجتمعين على سفرة واحدة، ويتبادل الحديث مع الجميع في جو فكاهي".
ويضيف العشريني محمد، والحزن ظاهر على وجهه: "لكن الآن رحل إبراهيم وبقيت ذكراه، فلن ننساه في يوم من الأيام".
وعمل إبراهيم -وفق إفادة والدته- في صيد السمك، وبائع بسكويت، وبائع خضار، ثم امتهن غسل السيارات في شوارع غزة للإنفاق على أسرته.
وتلقى الشهيد أبو ثريا -وفق ما يظهر مقطع فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي- طلقًا ناريًّا مباشرًا في رأسه، في أثناء الاحتجاجات السلمية المنددة بـ"إعلان ترامب".
وظهر في فيديو قبل استشهاده وهو يزحف ويرفع علامة النصر بيد وعلم فلسطين باليد الأخرى، أمام السياج الفاصل بين القطاع والأراضي المحتلة سنة 1948م، قائلًا: "لن نستسلم لقرار الرئيس الأميركي وسنواصل الاحتجاج"، و"إن الشعب الفلسطيني شعب الجبارين، ونتحدى جيش الاحتلال الإسرائيلي".
ورحل أبو ثريا تاركًا أسرته، ليؤكد بشاعة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه المرتكبة بحق المتظاهرين السلميين في قطاع غزة.
وبعد استشهاده بأشهر معدودات انطلقت مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية شرقي غزة، في 30 آذار (مارس) 2018م، وهاهم الفلسطينيون يكملون المسيرة.