في مثل تاريخ أمس 22 مارس 2004م اغتالت الطائرات الحربية الصهيونية الشيخ أحمد ياسين، رحمه الله. أمس الجمعة كانت الذكرى الخامسة عشرة لجريمة الاغتيال البشعة. الاغتيال كان بعيد صلاة الفجر مباشرة، وقد أشرف عليه بشكل شخصي الهالك أريئيل شارون، رئيس الوزراء آنذاك.
لم يكن الشيخ ياسين رحمه الله يخشى الاغتيال، لأنه كان يطلب الشهادة، ويظن أنه بعيد عنها بسبب أنه مقعد لا يستطيع الوصول إلى جبهة القتال، ورجال القسام يمنعونه من ذلك. الشيخ كان يطلب الشهادة، والله سبحانه لبى دعوته ورزقه الشهادة بعد طهارة صلاة الفجر على غير توقع من أحد، لتكون شهادة الشيخ في هذه الحال، وفي هذا السن المتقدمة معجزة لمن عاشها، ولتكون نهرا باردا سائغا للشاربين السالكين الطريق المستقيم.
كان الشيخ ياسين المقعد أمة وحده، فقد قاد أكبر حركة فلسطينية مقاومة في فلسطين الحديثة، وارتقى بها من خلية واحدة أو ثنتين، لتصبح ملء سمع الدنيا وبصرها، لها في كل بيت أنصار، وفي كل حارة من أرض فلسطين خلايا عاملة، وخلايا نائمة تنتظر الأمر للتنفيذ.
أحمد ياسين الذي أخذ الفكرة والمنهج من الشيخ حسن البنا دون أن يلقاه، تجاوز منهج البنا بسبب خصوصية فلسطين، حيث سكنت المقاومة مكانا مركزيا في تفكيره ومنهجه، فصار الأنموذج الإخواني لمنهج البنا الجهادي، والمجتهد المقتصد الذي أحيا فريضة الجهاد الغائبة عن الأمه، بسبب انحراف قادة الأنظمة عن المنهج.
كان الشيخ علما وقائدا تسمع غزة كلمته، وتشكو إليه حالها، ويلجأ إليه ضعيفها، وصاحب الحاجة، فيجد كل منهم مبتغاه، ولم يكن شلل البدن مزيلا لهيبة الشيخ، بل كان يزيد فيها جلالا، ربما كان جلال الإيمان، وصدق اليقين، فما من رجل لقي الشيخ، وجالسه، إلا وخرج من عنده تعلوه هيبة الوقار المستمدة من الشيخ. إن ضعف البدن كان معجزة قوة الروح فيه، وكان حجة الروح على أصحاء البدن، ممن آثروا القعود على الشهادة.
كانت الشهادة في حياة الشيخ نهاية طريق البدن فيه، ولكنها كانت بداية طريق الروح الوثابة التي سكنت روح الآلاف من الشباب المسلم الثائر داخل فلسطين وخارجها، وما زالت روحه تحيا فينا، وفي الأمة قاطبة، رغم مرور عقد ونصف على استشهاده ولا نزكيه على خالقه، رحم الله الشيخ، وجمعنا به في الفردوس الأعلى مع حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.