إن الملاحظة الأبرز التي تمَّ تسجيلها على التغطية الإعلامية لجريمة نيوزيلندا هي غياب كلمة "إرهاب" ومشتقاتها، لكن هناك ملاحظات أخرى أبعد من هذه الكلمة نتطرق إليها في الآتي:
أولًا: اقتصرت وسائل الإعلام على تغطية الأحداث دون تحليل، فمعظمها نقل مباشر للحدث، دون محاولة تفسيره ورصد أسبابه وتداعياته، وهو ما يجعل من هذا الهجوم مجرد "قاتل وضحية"، بمعزل عن السياق الاجتماعي السياسي، وهذا يُعفي الإعلام من طرح سؤال جوهري حول أسباب وقوع مثل هذا الهجوم، ولا يجبرها على البحث في تداعياته وهل هو استهداف لقيم الحرية والديموقراطية... إلخ، كما يحدث مع حدث/هجوم آخر!
ثانيًا: مما يفتح شهية وسائل الإعلام والمتابعين هي التفاصيل، فمثلًا في حادثة مقتل "خاشقجي" لاحظنا كيف جعلت التفاصيلُ القضية تطول مدة تغطيتها، وكنا نتابع عن كثب، لأن الإعلام كان يعطينا تفاصيل جديدة في كل مرة.
لكن في هذه الحادثة، تبدأ الحكاية عندما وصل المنفذ مكان الجريمة، وتنهي بانتهاء الفيديو، لكن كيف وصل؟ ومن أين انطلق؟ وكيف غادر –وهو من قتل بالبث المباشر-؟، وكيف أعد للعملية؟، كيف حصل على السلاح؟ كم استغرق الأمر في التخطيط؟ من ساعده؟، وهذه التفاصيل تثير "شهية المتابع" ليبقى متابعًا نهِمًا لمعرفة جديد القضية.
لكن الذي حصل، يدفع المتابع دفعًا إلى التوقف عن المتابعة لأنه يجدها تكرارًا ودون تفاصيل مثيرة، وهذا يساعد في "موت الحدث إعلاميًا" في أقصر مدة زمنية ممكنة.
ثالثًا: مع أن ما قام به المنفذ الإرهابي نابع من عنصرية وخطاب كراهية، إلا أن وسائل الإعلام تعاملت معه كمجرد شخص، وأنه لا يعبر بالضرورة عن ثقافة مجتمعه ولا عن خطاب كراهية أو عن عنصرية مجتمع؟. بينما في حالة الهجوم على صحيفة " شارلي إيبدو" مثلًا، طُرح السؤال مباشرة حول طبيعة الثقافة العربية، وتم في التغطية آنذاك إقحام مفاهيم جوهرية كالدين والاندماج والتخلف والتربية، إلخ.
رابعًا: تغيب القصص الإنسانية عن الضحايا حتى الآن، فمن هم الذين قُتلوا؟. هل بينهم أطفال؟. هل رأينا أية صورة لأحد الضحايا مع عائلته أو أطفاله؟. كل هذه التفاصيل الإنسانية التي يبرع الإعلام الغربي برصدها، غائبة عن هذا الحدث. وهذا الأسلوب المتمثل في تغييب الجانب الإنساني، يقلل حجم التعاطف، ويجعل الأمر أقرب إلى المتابعة الحيادية.
إذن؛ فالقضية أبعد من تجاهل وصف هذه الجريمة بالإرهاب، بل إنها قتلٌ للجريمة إعلاميًا، عن سبق إصرار وترصد.