على مرأى من أعين السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، تواصل قوات دولة الاحتلال الإسرائيلي، استباحة مدن الضفة الغربية المحتلة وقراها وبلداتها، لتهدم البيوت بجرافاتها، وتعتقل ما تشاء من المواطنين من وسط بيوتهم، وتخطفُ أرواح من تشاء منهم بدم باردٍ، زارعة وراءها موروث الوجع والألم والحسرة في كل بيت.
وخلال ساعات قليلة، اقتحمت ليلة أول من أمس، قوات الاحتلال وسط قرية عبوين شمال رام الله في الضفة الغربية، والتي تخضع لسيادة السلطة في المنطقة التي تعرف بالمنطقة (أ) لتغتال الشاب عمر أبو ليلى، وخلال نفس الليلة اقتحمت قواتها مدينة نابلس شمال الضفة، وأطلقت النار على الشابين رائد حمدان، وزيد النوري ليرتقيا شهيدين.
تعاون أمني
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة مسقط، هاني البسوس، أن مسار عمل السلطة الذي يلتزم الصمت تجاه اقتحامات الاحتلال واعتدائه على الشعب الفلسطيني وبطشه به، لا يخرج تفسيره عن التزامها بسياسة التنسيق الأمني الكامل مع الاحتلال.
ويضيف البسوس لـ"فلسطين": "حالة الصمت لدى السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية تخفي عمل أمني متواصل مع قوات الاحتلال لقمع أي عمل مقاوم"، مشيرًا إلى أنها في العلن قد تشجب وتستنكر حتى عمل المقاومة الفلسطينية الفردية، لكنها لا تستطيع إلا الصمت أمام جرائم الاحتلال.
ورأى أن قيادة السلطة الفلسطينية تحافظ باتباع هذه السياسة على مناصبها ومكاسبها التي حصلت عليها خلال السنوات الماضية، ولا يمكن بسهولة أنّ تفرط في هذا الأمر بسهولة عبر أي ردة فعل تجاه انتهاكات الاحتلال.
وشدد على عدم إمكانية حياد السلطة عن طريق الصمت أمام انتهاكات وجرائم الاحتلال واقتحامه لأوساط مدن وقرى الضفة الغربية، مضيفا "السلطة الفلسطينية مرتبطة بالتنسيق الأمني وجودا ومنهجا ولا خيار آخر عن ذلك".
ويوضح البسوس أنّ أي محاولة لخروج السلطة عن نهجها الحالي، وسياسة الحياد التي تتبعه، بأنه سيؤدي إلى نهايتها فورًا، ويوقف الدعم الخارجي عنها، ونسف كل الإنجازات التي ترى أنها حققتها خلال سنوات عمرها.
ووصلت اقتحامات جيبات الاحتلال وآلياته العسكرية سابقا قرب مقار الأجهزة الأمنية الرئيسة في مدن الضفة، ومنزل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله، فيما لم تستثن بعض المؤسسات المركزية لدى السلطة من عمليات الدهم والتفتيش.
صمت مطبق
ويشير أستاذ العلوم السياسية كمال علاونة، إلى أن المتتبع لمسار الاقتحامات والاعتداءات الإسرائيلية التي تجري ليل نهار في الضفة الغربية، يؤكد أنّ دور السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية غائب تماما.
ويضيف علاونة لـ"فلسطين"، أنّ الاحتلال يمارس انتهاكات واستفزازات علنية، ويستولي على أراضي المواطنين، ويهدم بيوتهم ويعتقل من يشاء منهم، وسط صمت مطبق من السلطة، باستثناء بعض التصريحات الإعلامية.
ويشدد على أنّ المشهد السياسي العام في الضفة "بات معكوسًا"، حيث إنّ من يمتلك السلاح والعتاد والرجال المدربين، يقف على الحياد أمام الاعتداءات الإسرائيلية سواء كانت من الجيش أم من المستوطنين، أما من يتصدى غالبًا لهذه الاعتداءات فهم أفراد عاديون باستخدام المقاومة الشعبية من رشق الحجارة وإلقاء المولوتوف.
ويؤكد علاونة أنّ السلطة تلزم نفسها باتفاقية أوسلو للتسوية وكافة تباعته الأمنية، وهو ما أفقدها القدرة على المواجهة، وألزمها خيار الصمت، الأمر الذي يفقدها مسؤولياتها ودورها المنوط بها، في حماية المواطنين.
ويرى أنّ الاقتحامات المتكررة والاعتداءات المتواصلة رسالة من قبل الاحتلال للسلطة رغم موقفها "الصامت" الذي ترضى عنه (إسرائيل) بأن لا دولة ولا نظام سياسي على الواقع سواها وأنها الآمر الناهي في الضفة والقدس فقط تفعل ما تشاء.