لا أحد يمكنه إنكار الأزمة الاقتصادية التي تعانيها غزة. الفقر، والبطالة، وغلاء الأسعار، مظاهر عامة ظاهرة تدل على الأزمة. الأزمة أعمق من هذه المظاهر الثلاثة. هناك أزمة الشباب غير القادر على الزواج، وأزمة الجامعات التي لا تستطيع توفير رواتب الموظفين، وأزمة القطاع الصحي، وأزمة الخريجين، وأزمة التجار والكساد، وأزمة المساكن، والأزمات النفسية والبيئية المتزايدة بشكل مطرد، وأزمة البلديات التي لا تستطيع جمع رسوم المياه والمباني، وأزمة الكهرباء التي لا تستطيع جمع ثمن الكهرباء من السكان، وأزمة العمال وهي الأقدم.
غزة إذًا تبيت ليلها على الفقر وعلى ما هو أبعد من الفقر والغلاء، ولو كانت المشكلة محصورة في الغلاء والفقر لأمكن حلها، أو التعايش معها، كما تعايش معها أجدادنا بعد النكبة، وفي الفترات الأولى من الهجرة، حين سكنت العوائل في المساجد، والخيام، والأكواخ الجريدية لسنوات.
مشكلة غزة ليست في الفقر والغلاء، بل في الحصار طويل الأمد الذي فرض على غزة إسرائيليًّا وعربيًّا، ودوليًّا، ثم سلطويا، فدخلت غزة في الفقر والغلاء والبطالة، والأزمات المذكورة آنفًا.
نحن جميعنا يعلم لماذا فرضت الأطراف آنفة الذكر الحصار على غزة، ولماذا فرضت السلطة العقوبات على غزة، ولأننا نعلم السبب جيدا، كان الحلّ الأمثل وطنيا وعمليا هو مقاومة الحصار وكسره، وتجريم من يقف خلفه، والاحتجاج ضده، ومقاومته، ولكن المؤسف في أحداث الأسبوع المنصرم أن فئة أخطأت الطريق، فلم تحتج ضد الظالمين المحاصِرين لغزة، واحتجت ضد الضحية (أي حماس) التي تقود غزة في مقاومة الحصار والمحاصرين، وتعمل ما تستطيع لتخفيف آثار الحصار عن الشعب، ولا أحد ينكر أن حماس عرضت على الكل الوطني العمل المشترك لإدارة الحياة اليومية في غزة لحين المصالحة، أو لحين الانتخابات الجديدة، ولكن كل الفصائل رفضت ذلك، واختبأت خلف شماعة الانقسام والمصالحة، وهي تعلم أن عباس لا يريد مصالحة، ولا يريد شراكة، لأنه لا يستطيع أن يتعايش مع المقاومة.
كان يمكن للفصائل أن تكون أعدل في موقفها من الأحداث الأخيرة، لو ساعدت في توجيه الأحداث ضد مسببي الغلاء والفقر، وكما انتقدت إجراءات الشرطة القاسية كان يمكنها انتقاد نفسها ودورها أيضا، وانتقاد المسببين للفقر والبطالة، وانتقاد كل من يحاول تسيس الأحداث الاجتماعية لخدمة مصالحة الحزبية. إن من يفقد البوصلة الذاتية، لا يمكنه قيادة المركبة في بحر لجي، ببوصلة الفتنة، والتفسيرات الماركسية الباهتة. بعد هدوء الأحداث واستعادة العقل فإن حماس والأطراف الأخرى يحتاجون إلى فتح باب مراجعات جادة للتقييم وأخذ العبرة والفائدة.