فلسطين أون لاين

​مجزرة الحرم الإبراهيمي ومجزرة نيوزيلاند.. القواسم والقواصم

هل التاريخ يعيد نفسه؟ بعضنا يتبنى هذه النظرية، وبعضنا يرى فيها نوعًا من الخيال، لكني أظن أن القول الفصل في هذه النقطة هو أن أحداث التاريخ تتشابه إلى حدٍ كبير، فقد تتكرر الأحداث لنفس الدوافع حتى لو اختلفت الحيثيات والأماكن والأدوات، وهذا ما يُسمى في الأدب العربي "التناص" وهو مصطلح نقدي يُقصد به وجود تشابه بين نصٍ وآخر أو بين عدة نصوص، وتعني تفاعل أنظمة أسلوبية، وتشمل العلاقات التناصية إعادة الترتيب، والإيماء أو التلميح المتعلق بالموضوع أو البنية والتحويل والمحاكاة.

الدافع للكلام السابق هو أننا فُجعنا قبل أيام قليلة بحادثةٍ مروعةٍ بطلها "برينتون تارنت" الرجل الغربي القذر والمتأثر جدًا بنظرية "العرق الأبيض" القادمة من بطون الفلسفة الغربية الاقصائية، حيث أقر بأنه تأثر بآراء "بأندرس بريفيك"، الإرهابي اليميني الذي قتل 77 شخصًا في النرويج عام 2011، ويهدف لإخلاء المجتمعات الغربية من غير البيض والمهاجرين بغرض حمايتها.

وانطلاقا من فكرة "التناص" التاريخي فسنعود بالذاكرة إلى مجزرة الحرم الإبراهيمي التي نفذها اليهودي "باروخ جولدشتاين "في مدينة الخليل جنوب الضفة المحتلة فجر يوم الجمعة 15 رمضان 1994 وبتواطؤ من المستوطنين والجيش الصهيوني في حق المصلين، حيث أطلق النار على المصلين المسلمين وقد استشهد 29 مصليًا وجرح 150 آخرين قبل أن ينقض عليه مصلون آخرون ويقتلوه.

سنعقد مقارنة بين ما حدث عام 1994 وبين 2019 سنجد أن القواسم بينهما كثيرة فهما قد دخلوا لمسجد يصلي فيه المسلمون، وأطلقوا عليهم النار غدرا، ونفذوا جريمتهم بهدوء وبتعاون من أخرين، انطلق الاثنان من فكر متطرف.

وعن القواصم، سنجد أن المكان مختلف والزمان مختلف، وعدد الشهداء مختلف، ونهاية كل منهما مختلفة، فالأول مات على يد المصلين، والثاني انسحب من المكان بهدوء وتم اعتقاله، وكان يهدد بيديه في ساحة المحكمة، ولا أظن انه سيحاكم محاكمة عادلة.

يبقى القول بأن "برينتون تارنت" هو امتداد للعنصرية الفكرية المتطرفة والحاقدة "لباروخ غولدشتاين" مرورا "بأندرس بريفيك" ضد كل ما هو مسلم، فالباطل لا يُخفي عداوته للحق، فيكرر أهله ما مارسه أسلافهم ضد الحق وأهله، وأهل الحق لا يسكتون عن حقهم مهما عظمت التضحيات، ويدافعون عن حقهم كما فعل أسلافهم.