نعم، غزة تعاني من فقر وبطالة بشكل مضطرد، ولا يختلف في هذا اثنان، ولكن من المسئول عن هذه الحالة؟! هل هي الفصائل التي تقاوم المحتل، أم حماس التي تدير غزة وتحمي المقاومة، أم (إسرائيل)، والحصار، وعقوبات السلطة، وقطع رواتب الموظفين؟! من المسئول؟!
الإجابة الأسهل عند اليسار الذي يحاول عادة أن يعوم فوق الأحداث كعوم الزيت فوق الماء، كلهم مسئولون. ونحن مع الجياع والفقراء، ولسنا طرفا في المسئولية؟! عن تلك العادة شذا قلم فحلل الأحداث تحليلًا ماركسيًا، فقال: الأحداث تفجرت بشكل موضوعي، دون مسئولية توجيهية للمخابرات، والأمن الوقائي، وهنا ينقل عن اليساريين قولهم: "إن التراكم الكمي لا بد أن يصل إلى لحظة حرجة، وأن يحدِث تغييرًا كيفيًا، وهذا ما حصل. إنها اللحظة؟!".
إذًا غزة تعيش بحسب رؤيته (اللحظة) بدايات ثورة يسارية، بدافع الجوع والفقر المتراكم، وليس بسبب أعداء الشعب الفلسطيني؟! وهب أن غزة تعيش إرهاصات ثورة يسارية، فما الحل عند اليسار للخروج من حصار (إسرائيل) والعالم؟! وما الحل عندها لعقوبات عباس، ورفضه الشراكة، ومنعه المال عن غزة؟! اليسار يقدم نقدًا وشتمًا ولا يقدم حلًّا؟!
ولست أدري هل المشكلة في غزة هي مع حماس أم مع الإسلام؟! اليسار يعوم، ولا يبالي بالتجديف، وهو يتخذ من حماس منطلقا للتنفير من الإسلام، يقول قلمه: "كالعادة حماس ستدفن رأسها في الرمال، ولن تُخضع الأحداث للقراءة الجدية، ولن تقبل تغييرا في نمط حكمها، ولن تقبل الشراكة، فعقل الإسلام السياسي هو عقل يعتقد أنه يمتلك العصمة والحقيقة؟!". هذا اتهام للفكر الإسلامي برمته، وفيه خروج من موضوع حماس في غزة، إلى العقل الإسلامي العام في كل مكان وزمان؟!
نعم، لليسار في الشرق مشكلة مع الدين، لأنهم يعدون الدين أفيونًا وتخلفًا، ولكننا في غزة تجاوزنا هذه المسألة وتصالح جلّ اليسار مع نفسه، ومع الدين، ولكن القلم آنف الذكر يعود للماضي، ليخرج الدين من الحياة، فيقول: "حماس حاولت أن تجد حلولا في الخطب الدينية وكم اجتهد خطباء المساجد الذين يتم توجيههم لإقناع الناس بالتأقلم مستدعين من التراث ما يكفي من القصص التسكينية، ولكنها لا تعرف أن الزمن اختلف...إنهم استمروا في استدعاء ماض لا يشبه الحاضر على الاطلاق، وهذه أزمة القوى الدينية وتلك تطرح سؤالا كبيرا حول جدارتها في حكم الحاضر؟!".
هل الأحداث في غزة جاءت لتناقش أزمة الفقر والبطالة، أم لتناقش أزمة القوى الدينية، ووظيفة الخطب والوعظ؟! وهل يمكن لحماس أن تقود الحاضر؟! هل مشكلة هذا القلم مع حماس، أم مع الدين، أم مع الخطباء؟! وهل يحرُم على الخطيب أن يبث الصبر على الجوع والفقر في الناس، حتى يستمر الشعب في المقاومة؟! ثم أين العيب في هذا؟! وأين العيب في القصص التي يأتي بها الخطباء من التراث؟! هل انتهى دور الدين والخطباء بوجود ماركس مثلا؟!
غزة في نظري أم عظيمة، تعاني من عقوق بعض أبنائها، وتعاني في الوقت نفسه الحصار والجوع والفقر، وفي الوقت نفسه ترفع راية الجهاد والمقاومة، وتواجه من يطعنها في ظهرها، باسم الفكرة الفلانية، والحراك العلاني، ولو أضاءت حماس أصابعها العشرة شراكة ومحبة، لن يرضى هؤلاء العاقون، لأن مشكلتهم الجوهرية فيما يبدو هي مع الدين.