ثمة صواريخ سياسية، وأخرى عسكرية، والفرق بينها يظهر من خلال الأهداف المقصودة. فإذا كانت أهداف صواريخ أمس التي انطلقت من غزة سياسية فهي تريد أن تؤثر في الانتخابات الإسرائيلية، لترجيح كفة غانتس وحزبه على نتنياهو وحزبه، وإن كانت الصواريخ عسكرية، فالهدف منها هو النكاية في العدو، وهذا عادة يحدث من خلال الغرفة المشتركة، وغالبا ما يأتي ردا على عدوان إسرائيلي.
ولأن الصواريخ ليست عسكرية، وليست من توجيهات الغرفة المشتركة، نفت حماس والجهاد مسئوليتهما عن إطلاقها. ولكن قاعدة العدو تختلف عن قواعد حماس والجهاد، فالعدو لا يفرق بين صاروخ وصاروخ، ولا ينظر هل أطلقه فرد، أم أطلقته الغرفة المشتركة، هو يتعامل مع الفعل لا مع الفاعل، لذا قصف العدو ليلة أمس عشرات الأهداف في غزة بعد ساعات من صواريخ غزة، مجهولة الفاعل.
إذا كان الصاروخ سياسيا بالدرجة الأولى فإنه فيما يبدو لي لم يحقق هدفه، ولم يخلخل موقف نتنياهو وحزبه، وإن كان الصاروخ عسكريا فقد جاء في توقيت خاطئ، وتصرف خارج التوافق، وفي الوقت نفسه لم يحقق أهدافه أيضا.
اللعبة السياسية العسكرية التي تديرها غزة والمقاومة لعبة معقدة، ولأنها كذلك حاولت الفصائل أن تتغلب على تعقيداتها من خلال الغرفة المشتركة، التي تمثل التوافق الوطني بشكل جيد. وقد أخذت هذه الغرفة على عاتقها التعامل مع العدوان بحسب قواعد الاشتباك التي أقرتها الفصائل في اجتماعاتها، والتي أخذت على عاتقها حرمان العدو من اللعب خارج قواعد الاشتباك في الرؤية الفلسطينية. لذا نقول إن نجاح المقاومة هو في وحدتها وفي توافقاتها وفي غرفتها المشتركة، التي تمنع الانزلاقات الفردية غير المسئولة.
حين قصف العدو عشرات المواقع الفلسطينية أمس، اتخذ من الصاروخين السياسيين مبررا إعلاميا لقراره بقصف غزة، وتحميل حماس المسئولية عن الصاروخين، وبهذا تقدم العدو خطوة في هذا المجال على الفصائل، وأجبرها بتهديداته على نفي مسئوليتها عنها، ولكي لا تقع غزة والفصائل في الإشكالية نفسها في مرة أخرى، فإنها حرية بتعزيز قاعدة الانضباط السياسي والعسكري، ووقف العمل الفردي المنفلت، وزيادة تفعيل الغرفة المشتركة. لسنا في حاجة إلى صواريخ سياسية، فغانتس " أضرط" من نتنياهو، والعكس صحيح. وغزة تقاوم ولا تناور، أو هكذا يجب أن تكون.