تنتشر في العالم برامج "حساب الذكاء العقلي" بمسميات مختلفة، وتَرُوج بكثرة في مجتمعاتنا العربية على اعتبار أنها مدخل معرفة ذكاء الطفل من عدمه!.
في العام 1983م أطلق عالم النفس الأمريكي هاورد غاردنر نظرية الذكاءات التي تؤسس لمبدأ أن الذكاء ليس مقتصرًا على قدرتين فقط هما الذكاء اللغوي والتفكير المنطقي، واللتين اعتبرتا تقليديًا مؤشري الذكاء الوحيدين والمعتمدين في اختبارات الذكاء (IQ).
غاردنر طوّر نظريته حتى العام 1990م، مؤكدًا أنه إضافةً للذكاء اللغوي والذكاء المنطقي، هناك الذكاء البصري، والذكاء الموسيقي، والذكاء الجسمي، وذكاء المعرفة الذاتية، وذكاء معرفة الآخرين، ولاحقًا أضاف ذكاء عالم الطبيعة، وذكاء التعليم.
وتعد نظرية غاردنر من النظريات المفيدة في معرفة أساليب التعلم وأساليب التدريس فهي تكتشف مواطن القوة والضعف عند المتعلم، ولا تحصر قياسها في شكل واحد من أشكال التعلم.
المشكلة التي تبدو واضحة في مراكز حساب الذكاء العقلي، أنها حصرت الذكاء في "الحساب" والعمليات الرياضية، أو ما يعرف بالذكاء المنطقي، وهو ما تؤكد الدراسات والنظرية سالفة الذكر أنه يخص من (10-15)% من البشر، وبالتالي –ووفق هذه المراكز- فإن باقي البشر ليسوا أذكياء أبدًا، لأنهم لا يبرعون في العمليات الحسابية!.
في المقابل، فإن الحياة تخبرنا أن الذي يتميز بالذكاء اللغوي يُصبح خطيبًا مفوهًا، والذكاء البصري يكون رسامًا أو مصمم ديكور أو أزياء، والذكاء الموسيقي يكون عازفًا أو مغنيًا، والذكاء الجسمي يكون لاعبًا تُدفع فيه عشرات بل مئات الملايين كلاعبي كرة القدم ..إلخ، ولا أظن هناك من ينكر أن أحدًا ممن سبق ليس لديه ذكاء في مجاله أكثر من أقرانه، أي أنه ذكي، مع أنه لا يتمتع بقدرة على حل العمليات الحسابية، وهذا يتوافق تمامًا مع مبدأ النظرية التي تؤكد أن تحديد الذكاء بطرق تقليدية، وحصره بالعمليات الحسابية ليس دقيقًا؛ فالطالب الذي يتعلم عملية الضرب الحسابية ليس أذكى من الطالب الذي يجد صعوبة في تعلمها، لأن كل ما يحتاجه الطالب الثاني هو اعتماد أسلوب مختلف وقد يتفوق في مجالات أخرى عن الأول.
لذا إن كان من نصيحة، فأولًا: هي أن تكون هذه المراكز أكثر وضوحًا مع الجمهور بأنها مقتصرة فقط على قياس ذكاء واحدٍ من بين مجموعة كبيرة من الذكاءات، وثانيًا: أن يوسع الآباء دائرة التنمية في ذكاء أبنائهم، ولا يقصُروها على مهارات الحفظ وحل المعادلات الحسابية، فقد يكون أبناؤكم ضعيفين في هذا المجال، وأذكياء جدًا في مجالات تجعلهم مستقبلًا من الأشهر وربما الأغنى عالميًا.