قائمة الموقع

"المسكوبية".. كنيسة روسية تجثم فوق أرض وقف إسلامي في الخليل

2017-02-07T08:08:42+02:00
صورة أرشيفية

لا يزال السجال القانوني قائماً بين عائلة التميمي مالكة وقف تميم الداري الذي أقيمت عليه كنيسة دير الإرسالية الروسية، وبين السلطة الفلسطينية التي أصدر رئيسها محمود عباس مرسوماً يقضي بوهب الكنيسة وأرض الوقف المقامة عليها، (تصل إلى 70 دونماً، وهي إحدى تلال مدينة الخليل بالضفة الغربية)، إلى الكنيسة الروسية الحمراء الممثل الرسمي للدولة، وذلك بعد انتهاء حق الانتفاع منذ عام 2009م.

وبحسب القانون الفلسطيني وما ينص عليه الدستور الرئيس فإنه لا يحق لأي كان أن يهب أرض وقف لأي جهة كانت، ورغم صدور حكم من محكمة العدل العليا في رام الله لصالح عائلة التميمي التي تعود للصحابي تميم الداري صاحب هذا الوقف إلا أن الرئاسة الفلسطينية أصدرت مرسومها دون أخذ أي اعتبار.

بإمضاء من النبي

حازم التميمي أحد المتحدثين الرسميين باسم عائلة التميمي، التي تعود إلى الصحابي –تميم الداري- صاحب أرض الوقف، أخبر "فلسطين" أن الداري بحوزته إمضاء من رسول الله وأن هذا الإمضاء منحه إياه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، للحفاظ على هذه الأرض كأرض وقف إسلامي، وهو ما تعاقب عليه الخلفاء الراشدون من بعدهم حيث تركوا هذا الوقف بعهدة الداري الذي توفي سنة 40 للهجرة ولا يزال قبره في "بيت جبرين" بفلسطين.

وتجدر الإشارة إلى أن تميم الداري هو أحد صحابة النبي عليه الصلاة والسلام، وبحسب المراجع التاريخية فإنه كان مسيحياً وكذلك قومه جميعاً، ودخلوا الإسلام سنة 9 هجري عقب غزوة تبوك، فأقطعه النبي هو وقومه بأرض الشام.

ومنذ ذلك الوقت، تعاقبت أسرة التميمي على الإشراف على هذا الوقف، وعن ذلك يقول حازم التميمي:" وبقيت هذه الأرض في أحلك ظروف الدولة الإسلامية زمن الصليبيين، دون أن يجرؤ أحد على الاقتراب منها نظراً لأهميتها بالنسبة إلى المسلمين".

وتابع:" ومع بداية القرن العشرين تم تأجير الأرض من قبل الدولة الإسلامية إلى رجل يُظن أنه مسلم وهو يعقوب الحلبي وفيما بعد تبين أنه مسيحي وقد وضعها تحت اسم المساعدات الإرسالية الروسية الطبية، والتي استغلت أرض الوقف في زمن الانتداب البريطاني فأنشأت كنيسة على هذه الأرض".

وأضاف:" ثم تطورت المسألة وأخذت أشكالا أخرى، والتي كان الشيخ شكري أبو رجب التميمي أحد الرجالات الذين تصدوا لهذه الهجمة التي حاولت انتزاع الأرض من المسلمين، سيما وأنها أرض وقف إسلامي".

وتابع :" إن المسألة لم تعد في بيت تميم بل هي قضية أمة وهي وقف تمس عقيدة المسلمين جميعا وعلى الكل الفلسطيني رفض هذا القرار والذي أعطاه من لا يملك لمن لا يستحق"، مشيراً إلى تصدي أمن السلطة للتظاهرة التي نظمها آل التميمي وبعض الفصائل الفلسطينية رفضاً للمرسوم الرئاسي، واعتقال عدد من المشاركين فيها.

وقال: "نرفض بشكل قاطع تسجيل هذه الأرض –الوقف- لصالح الإرسالية الروسية، وسنبقى كذلك حتى ترجع الأرض لأصحابها آل التميمي"، ملفتاً إلى أن أمر تسجيل الأرض كان بطلب من الإرسالية الروسية للجهات المختصة عبر إعلان نشر في يوم جمعة مع أن مثل هذه الإعلانات يتم نشرها في أيام الأحد عادة.

واسترسل: "قدمنا اعتراضنا كعائلة التميمي على هذا الطلب لدى المحاكم المختصة وتم تأجيله مراراً قبل أن يصدر قرار من محكمة العدل العليا بعدم أحقية الإرسالية الروسية تطويب الأرض لأنها لا تمتلك أي أوراق أو إثباتات تخولها بامتلاك الأرض".

وختم بقوله:" لكن الرئيس أبو مازن ضرب عرض الحائط بهذا القرار وقام بإهداء هذه الأرض عبر مرسوم رئاسي للروس، وهذا يخالف القانون الأساسي الفلسطيني نفسه، والذي يمنع الرئيس من إعطاء ملكية الوقف لأي شخص كان فما بالكم وهذه أرض وقف تمس العقيدة الإسلامية؟".

تأجير للمسكوبية

بدوره يرى الناشط السياسي، الأسير المحرر هشام الشرباتي، أن ما حصل، هو تأجير الأرض التابعة لوقف الصحابي تميم الداري للكنيسة المسكوبية الروسية أيام الحكم العثماني لمدة 99 عاما، والتي انتهت قبل بضع سنوات، ما دفع الكنيسة إلى تقديم طلب للسلطة الفلسطينية تريد فيه تملك هذه الأرض.

وقال في حديثه لصحيفة "فلسطين":" إن المالك الحقيقي لهذه الأرض هم آل تميمي الذين قدموا اعتراضاً على هذا الطلب ما أوجد نزاعا بين الطرفين في المحاكم، وما أعطى القضية أبعاداً أخرى هو دخول أطراف سياسية منها السلطة الفلسطينية ومستوياتها التنفيذية وبعض الأحزاب السياسية فتحول النزاع إلى سياسي أكثر منه عقائدي قبل أن يميل إلى نزاع ديني.

واعتبر كون أن هذه الكنيسة تتبع للكنيسة المسيحية الأرثوذكسية الروسية أعطاها أبعاداً دينية، وأن تدخل السلطة كان فوقياً تمثّل بمرسوم تحويل هذه الأرض إلى ملكية عامة للسلطة، أي أنها انتزعت أرض وقف إسلامي من آل تميم الداري وحولتها إلى ملكية عامة وهذه مخالفة قانونية وشرعية أصّل البعد الديني للمشكلة.

وأفاد بأن تحويل السلطة الفلسطينية لهذه الأرض من الملكية العامة إلى ملكية الكنيسة المسكوبية ينطوي على مخالفة قانونية أخرى، وذلك حسب نصوص القانون الفلسطيني الذي أقره الرئيس محمود عباس نفسه وهو نفسه من خرقه.

وقال: الآن توجد لجنة من كل العشائر المسلمة في مدينة خليل الرحمن، بما فيهم عشيرة آل التميمي، ينفذون بعض الإجراءات مثل التظاهرات السلمية وغيرها والتي تصدت لها قوات أمن السلطة.

وأضاف:" هناك تخوف من أن تحاول السلطة احتواء موجة الاعتراض الشعبي، وعدم افساح المجال أمام احتجاج الناس على ما حصل، وهذا التخوف يتبعه تخوف آخر أن هناك بعض الأملاك المسيحية في القدس أو في بيت العامود أو في البلدة القديمة –كنيس- أن يتم بيعها لليهود، سيما وأن هذه الكنيسة – المسكوبية- تحتل موقعاً استراتيجيا في قلب مدينة الخليل.

الرأي القانوني

من جهته، يرى المستشار القانوني المختص بالدستور الفلسطيني ياسر الديراوي، أن قرار الرئيس عباس تمليك كنيسة المسكوبية لروسيا هو قرار مخالف للقوانين المدنية وقرارات المحاكم ومخالف أيضاً لقانون مكافحة الفساد.

وأوضح أنه بعد إصدار الرئيس عباس لهذا القرار توجهت عائلة التميمي لمحكمة العدل العليا التي أصدرت قرارا ينص على توقيف كافة الإجراءات المتعلقة بقضية آل تميم، إلا أن الرئيس لم يلتزم بقرار المحكمة وأصدر قرارا بتمليك الكنيسة لروسيا.

وطالب الديراوي الرئيس عباس باحترام قرارات المحكمة العليا واحترام تعاليم الإسلام لأن هذه الأرض تعود في الأصل لصحابي جليل وأهله من بعده ولا يحق لأي طرف الاستيلاء عليها وتمليكها لأطراف أخرى.

والجدير بالذكر أن كنيسة دير الإرسالية الروسية بنيت عام 1906، وأخذت تسمية دير المسكوبية نسبة إلى العاصمة الروسية موسكو، حيث إن المسكوبية هم النصارى الروس الذين أتوا إلى فلسطين عام 1868م. وهذا الدير هو من أهم المعالم الأثرية التي تستأجرها روسيا في منطقة الضفة الغربية.

اخبار ذات صلة