حين وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو، واعترفت بإسرائيل، قال الدكتور إبراهيم المقادمة، وكان يومها معتقلا في سجن النقب الصحراوي:" إن هذا الاتفاق سيتراجع بالقضية الفلسطينية خمسين عاما إلى الوراء، وسيعيق عملية التحرير والمقاومة". ما قاله المقادمة عشناه واقعا في حياتنا. كان ما قاله المقادمة في عام 1991، أو عام 1992 م، وكنت في خيمته، ومعنا اسماعيل هنية، وها نحن نعيش في العام 2019م، ونحن نشهد هذا التراجع حيث مزّق أوسلو اللحمة الفلسطينية، والمقاومة الفلسطينية، وأوجد فئة من الشعب تعترف بإسرائيل، وتقبل أن تعمل لها وكيلا في مقاومة وقمع الفئة الأخرى التي ترفض الاعتراف بإسرائيل وتعمل في مقاومة الاحتلال؟!
لم تتراجع القضية الفلسطينية بهزيمة 1967م، مع أنها كانت هزيمة قاسية جدا على الأمة، بقدر ما تراجعت باتفاقية أوسلو، لأن اتفاقية أوسلو ترجمت هزيمة 67 إلى مخرجات عملية ملموسة تستجيب لمطالب إسرائيل، بينما عُرفت الهزيمة بلاءات الخرطوم الثلاثة. المجتمع الفلسطيني الذي كان يتجه بكليته نحو مقاومة العدو وتحرير الأرض، يتجه نصفه الآن لتخليص الشعب من قيود أوسلو، الذي قسّم الشعب.
كان المقادمة الذي استشهد في 8/3/2003م رحمه الله، أي قبل ستة عشر عاما ، صاحب حدس ورؤية، وحين طلب منه بعض العسكريين الانتقام من الأجهزة التي قتلت إخوانهم، وعذبتهم عذابا شديدا في الأمن الوقائي والمخابرات، قال لهم احتسبوا ما أصابكم عند الله، ولا تريقوا دم مسلم، وإن كان عاصيا، وعاقبوا الأجهزة الأمنية والسلطة برمتها بقتل الصهاينة، وتفجير مواقعهم، ومستوطناتهم. إنكم إذا قتلتم جنديا صهيونيا، فإن السلطة ستكون أول من يتألم، لأنها تعهدت بحماية جنود إسرائيل ؟!
كان الرجل مصيبا في رؤيته وحدسه، فكانت عمليات عماد عقل، ويحيى عياش ، مهينة للسلطة ولاتفاق أوسلو، وآلمتهم كما آلمت إسرائيل وزيادة. هذه الرؤية ما زالت صالحة للتطبيق في يومنا هذا في الضفة وغزة، وهي رؤية آمنة من الشبهات، وتعالج عيوب أوسلو، وتصب في مجرى التحرير، كما حفره الشهداء الأوائل قبل النكبة وبعدها. رحم الله المقادمة، وأنار الله بصيرة من جاؤوا بعده.