16 عامًا مضت على اغتيال المفكر الفلسطيني د. إبراهيم المقادمة، غير أن فكره ونهجه المقاوم لا يزال شبحا يطارد الاحتلال الإسرائيلي، قبل استشهاده وبعده.
ووافق أمس، الثامن من مارس/ آذار، الذكرى السنوية الـ16، لاغتيال الاحتلال القائد في حركة المقاومة الإسلامية حماس، بقصف من طائرات "الأباتشي" لمركبته وسط مدينة غزة.
أبصر المقادمة النور عام 1950، في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، بعدما هجرت عائلته قسرا من بلدة "بيت دراس" عام 1948.
تلقى تعليمه الأساسي في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" في جباليا، وحصل في الثانوية العامة على درجة امتياز ليلتحق بكلية طب الأسنان في جمهورية مصر العربية عام 1968.
عمل المقادمة طبيبا للأسنان في مستشفى الشفاء بغزة، ثم حصل على دورات في التصوير الإشعاعي وأصبح اختصاصي أشعة، ليفصل لاحقا من وظيفته بعد اعتقاله من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية.
وعاد طبيب الأسنان لمهنته في الجامعة الإسلامية، بعد انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين في سنوات شبابه الأولى، وبالتزامن مع ذلك، تزوج المقادمة وأنجب سبعًا من الأبناء.
كان المقادمة أحد المقربين من مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وشكّل النواة
الأولى للجهاز العسكري للحركة الذي حمل اسم "مجد" آنذاك، ثم عمل من أجل إمداد المقاومين بالسلاح.
اعتقله الاحتلال للمرة الأولى عام 1984، بتهمة الحصول على أسلحة وإنشاء جهاز عسكري في قطاع غزة، وحكم عليه بالسجن ثماني سنوات.
وعقب انتهاء محكوميته وإطلاق سراحه، وصفته وسائل الإعلام العبرية بـ"نووي حماس"، وأجمع المحللون الإسرائيليون أنه أبرز مفكري الشعب الفلسطيني الذين نظروا لـ"خيار المقاومة كخيار أخير وحيد واجب التعامل به مع الاحتلال".
برز دور المقادمة بمعارضته الشديدة لاتفاق (أوسلو) بين السلطة والاحتلال عام 1993، وسيما أن الملقب بـ"مفكر المقاومة" يرى أن المقاومة هي السبيل الوحيد للاستقلال والحصول على الدولة الفلسطينية.
عام 1996 اعتقلته أجهزة أمن السلطة؛ بتهمة تأسيس جهاز عسكري سري لحركة حماس في غزة، وحكمت عليه بالسجن ثلاث سنوات، تعرض خلالها لشتى أنواع التعذيب، ونقل على إثرها للعناية المركزة في مستشفى الشفاء.
ألّف "مفكر المقاومة" عدة كتب ودراسات في الأمن وهو داخل السجن وخارجه، منها: معالم في الطريق إلى تحرير فلسطين، وأصدر دراسة حول الوضع السكاني في فلسطين وهي بعنوان "الصراع السكاني في فلسطين".
الشخصية الجامعة
ويذكر القيادي في حركة حماس د. نسيم ياسين، مناقب صديقه: "لقد جمع المقادمة بين شخصية القائد الفذ، والمفكر الجاد، والمربي المتميز، والموجه المؤثر والجريء في مواقفه، والشيخ المربي، قوّال للحق، شديد وصارم، يحترم الآخرين ولا يخشى لومة لائم".
وأضاف ياسين لصحيفة "فلسطين": "المقادمة داعٍ متميز، رغم أنه طبيب"، مشيرًا إلى حرصه الشديد على قراءة كتب الدعوة الإسلامية، والتفسير والحديث.
واستذكر مقولة الشهيد القائد: "أتمنى أن يعقد كل علمائنا في المساجد كافة المجالس العلمية المتخصصة والمختلفة ليعلموا الناس".
واستذكر أيضا أحد المواقف التي جمعته بالمقادمة مع الشيخ ياسين، حين طلب الأخير من الأول الاختفاء عن الأنظار سيما أنه بلغه أن الاحتلال يخطط لاغتياله، فرد عليه: "فليغتالوا وليفعلوا ما يريدون، نحن طلاب شهادة يا شيخ"، فأصر عليه الشيخ وألزمه بعدم الخروج فوافق شريطة أن يكون لمدة أسبوع واحد فقط "فأنا لا أستطيع ترك عملي في الجامعة الإسلامية أكثر من ذلك".
وفي أول يوم خرج فيه بعد المدة المحددة، اغتالته طائرات الاحتلال برفقة مرافقيه صبيحة يوم السبت 8 مارس 2003.
والشهداء المرافقون هم: عبد الرحمن العامودي (27 عامًا)، وخالد جمعة (33 عامًا)، وعلاء الشكري (30 عامًا).
وفي مقطع فيديو منشور عبر الشبكة العنكبوتية، يظهر فيه القائد الشهيد د. عبد العزيز الرنتيسي، يقول فيه: "إن الدكتور إبراهيم المقادمة يعتبر أكبر مثقف في فلسطين ولا أبالغ إن قلت في الوطن العربي والإسلامي".
ووفاء من كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، وليبقى "مفكر المقاومة" شبحا يطارد الكيان بعد استشهاده، قلدته وسام المقاومة بصاروخ حمل اسمه (M75)، وقصفت القسام (تل أبيب) لأول مرة في معركة "حجارة السجيل" عام 2012.