تتوسط أم محمد أبو علي (50 عامًا) بناتها السبعة، ليس أثناء خروجهن في نزهة في اليوم العالمي للمرأة، وإنما على بعد عشرات الأمتار من تمركز قوات الاحتلال الإسرائيلي خلف السياج الفاصل شرق غزة، حيث تتنشر سحب دخان قنابل الغاز، والرصاص الحي في مواجهة الفلسطينيين العزل المطالبين بحق العودة.
وتحوّلت مشاركة أم محمد التي أنجبت ابنا واحدا فقط من الذكور، وسبع إناث أصغرهن تبلغ 15 عامًا من عمرها، إلى "فعلٍ مقدس" اعتاد عليه حتى أحفادها الأطفال الذين يسابقون الزمن قائلين لها ليلة كل يوم جمعة: "يلا يا ستو نروح على العودة".
وتنحدر السيدة الخمسينية من قرية يبنا؛ في حين ينحدر زوجها من قرية الجورة، وتلك القريتين دمرتهما العصابات الصهيونية سنة 1948.
وتبدي أم محمد ثقتها بحتمية العودة إلى قريتها، قائلة: إنها معتادة على المشاركة في مسيرة العودة وكسر الحصار السلمية.
وتزامنت مشاركتها أمس، في فعاليات هذه المسيرة مع اليوم العالمي للمرأة الذي يوافق الثامن من مارس/ آذار سنويا.
وتقول أم محمد: إن المرأة تقف جنبا إلى جنب مع الرجل في سبيل تحرير فلسطين، مضيفة أنها تصطحب بناتها السبعة وأحفادها الذين باتوا يستعجلونها للمشاركة في المسيرة.
وعن كواليس التجهيز للحضور إلى ميدان المسيرة، توضح أن أسرتها تستيقظ باكرا وتنجز مهامها البيتية بما في ذلك تناول طعام الغداء يوم الجمعة الذي يشهد الفعاليات الأسبوعية بمحاذاة السياج الفاصل، لتتمكن من الوصول في الوقت المناسب.
ويطالبها أحد أحفادها الذي يبلغ من عمره عامين فقط بتشغيل أنشودة "راجع على بلادي"، ويسارع إلى رفع العلم الفلسطيني.
وتنشط في هذه المنطقة حركة سيارات الإسعاف التي تسعى إلى إنقاذ المصابين "على خط النار" حيث تُمطر قوات الاحتلال المشاركين السلميين في المسيرة بالرصاص والقنابل.
وأدى استخدام قوات الاحتلال العنف والقوة المميتة ضد الفلسطينيين السلميين في مسيرة العودة إلى استشهاد وإصابة الآلاف منهم، بينهم مسعفون وصحفيون.
لكن أم محمد لا تبدي أي خوف من أسلحة الاحتلال الفتاكة، قائلة: كل إنسان سيموت يوما ما، وإذا استهدفني هذا الاحتلال أكون شهيدة في سبيل المولى.
هذا الكم الهائل من الرصاص وقنابل الغاز يدلل على أن جنود الاحتلال خائفون من الفلسطينيين حتى مع كونهم عزلا، كما تؤكد.
ولولا أن ابنتها ولاء (25 عامًا) أصيبت بالاختناق جراء إطلاق الاحتلال قنابل غاز مسيل للدموع بجوارها، لما كانت اضطرت للمغادرة مؤقتا، برفقة أبيها، لكن على أي حال فإن والدتها وأخواتها بقين هناك، وينوين جميعًا العودة في كل مرة.
تمتلك هذه الأسرة دافعا قويا للانتظام في الانضمام لمسيرة العودة السلمية، تعبر عنه والدة البنات السبعة بقولها: الاحتلال سلب أرضنا، ومن حقنا أن نستردها ونعيش كباقي العالم، وبمسيرتنا هذه نؤكد أننا راجعون إلى أراضينا المحتلة، بما في ذلك مدينة القدس، التي اعترف بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "عاصمة" مزعومة لـ(إسرائيل).
وتتابع: المرأة في بلدان أخرى ربما تخرج في نزهة في يومها العالمي، لكن نحن نأتي إلى هنا لنطالب بحقوقنا، مؤكدة أن مقاومة المرأة الفلسطينية الاحتلال تعد "من أهم العبادات".
وما إنْ تنتهي فعاليات المسيرة تبدأ أم محمد وبناتها السبعة بتهيئة أنفسهن لتجديد المشاركة في الجمعة المقبلة.
وتثني هذه المرأة الفلسطينية على تشجيع زوجها لها على المجيء شرق غزة ضمن المشاركين في مسيرة العودة.
وتوصي أم محمد النساء الفلسطينيات بالتصميم على مقاومة الاحتلال، وتربية الأبناء على قراءة القرآن وريادة المساجد.
وبدت أم محمد، مصممة على تحدي جنود الاحتلال الذين يتمترسون خلف كثبان رملية، حيث وجهت لهم شارة النصر، تماما كما تفعل بناتها السبعة المنتشرات في ميدان المسيرة.