مكالمة مسموعة أو مرئية عبر الهاتف المحمول، هي الطريقة الوحيدة للاتصال بين أسير محرر في قطاع غزة، وذويه خارجه، بعد غياب في سجون الاحتلال الإسرائيلي استمر 22 عامًا و17 يومًا.
إياد محمود أبو هاشم (44 عامًا) صار حرًّا بعد غياب طويل مليء بالحرمان والآلام والمعاناة والفقد، فهو طيلة فترة وجوده في سجون الاحتلال لم يرَ ذويه وعائلته وأصدقائه.
عانقت روحه الحرية ولامس جسده تراب غزة وتنسم عبير هوائها وصافح بقلبه أحبابه وأقربائه الذين استقبلوه لحظة الإفراج عنه من سجون الاحتلال، مطلع الشهر الجاري، عند حاجز بيت حانون (إيريز) شمال القطاع، وزفوه في موكب بهيج إلى مسقط رأسه في مخيم يبنا بمدينة رفح جنوب القطاع.
"الفرحة بالحرية لا توصف، لكنها اليوم منقوصة لأنني تركت خلفي أحبابي في الأسر، هم جزء من قلبي وكياني، وستبقى هذه الفرحة منقوصة حتى يخرج آخر أسير وأسيرة من سجون الاحتلال البغيض"، والحديث للمحرر أبو هاشم.
وأضاف في حديثه لصحيفة "فلسطين": "كنت أعيش في دولة قطر وأهلي هناك، ولم ألتقِ بهم أثناء الأسر، ولم أتمكن من لقائهم بعد الإفراج عني إلى قطاع غزة"، متمنيًا لقاءهم في أقرب وقت، وتحرير جميع الأسرى، و"عندها ستكون الفرحة كاملة وكبيرة لنا ولجميع أبناء شعبنا بإذن الله".
وأكمل: "رسالة الأسرى إلى أبناء شعبنا هي رسالة محبة وشوق ووفاء، أسرانا وأسيراتنا وأشبالنا يدعون أبناء شعبنا بجميع فصائلهم وأطيافهم إلى الوحدة لمواجهة غطرسة الاحتلال وانتهاكاته المستمرة بحق قضيتنا، والتمترس خلف الثوابت الفلسطينية، وتوجيه البوصلة نحو القدس حتى التحرير".
وأوضح أن رسالة الأسرى إلى المقاومة الفلسطينية ورجالها وإلى جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، العمل من أجل إطلاق سراح الأسرى، قائلًا: "الأسرى يتشوقون إلى لقاء أحبابهم وأبناء شعبهم، ويحلمون باليوم الذي يخرجون فيه ليتنسموا عبير الحرية ويشموا رائحة تراب الوطن".
وبدأت قصة أبو هاشم عندما عاد من دولة قطر بعدما أنهى دراسة الثانوية العامة، إلى قطاع غزة لإكمال تعليمه الجامعي عام 1996، والتحق بإحدى الجامعات لدراسة تخصص إدارة الأعمال.
واعتقلته قوات الاحتلال من معبر رفح في 13 فبراير/ شباط 1997، وأخضعته لتحقيق قاسٍ في السجون، ومثل أمام محاكمة أصدرت عليه حكمًا بالسجن 16 عامًا؛ بزعم محاولة قتل جندي، وإصابته بجروح خطيرة تسببت بإعاقته.
وأضاف الاحتلال حكمًا بالسجن 6 سنوات على محكومية "أبو هاشم"، على خلفية ضرب جندي من إدارة السجون؛ بسبب إجراءات التفتيش المهينة والمستفزة التي تتبعها الأخيرة مع الأسرى، فأصبح الحكم الإجمالي بالسجن 22 عامًا.
وتمكنت والدته من زيارته لمرة واحدة عام 2000 بعد محاولات عديدة من التنسيق للسماح لها بالزيارة، خاصة أن أنه وعائلته لا يحملون الهوية الفلسطينية، بل وثائق سفر، الأمر الذي يعقد أمر الزيارات.
وماطل الاحتلال في إطلاق سراح "أبو هاشم" بعد انتهاء مدة محكوميته، وأخرت الإفراج عنه مدة 17 يومًا؛ بزعم عدم وجود تنسيق بين إدارة السجون وجيش الاحتلال المتمركز في حاجز بيت حانون، وعدم امتلاكه هوية فلسطينية، بل إقامة قطرية منتهية الصلاحية.
وحول الأيام الأخيرة وتأخير إطلاق سراحه، أوضح أن الأمر كان صعبًا، حيث حاول الاحتلال اللعب بأعصابه وتوتير ذويه الذين ينتظرون لحظة حريته على أحر من الجمر، قائلًا: "ما حدث هو جزء من عملية التنكيل بالأسرى والتنغيص عليهم وذويهم، المستمرة طيلة فترة الأسر".
وأشار إلى أن إدارة السجون تنكل بالأسرى يوميًا، لكنه على أشده هذه الأيام سيما أن أحزاب الاحتلال تستخدم ذلك دعايةً انتخابيةً أمام جمهورها، مشددًا على أن الأسرى لن يستسلموا لإجراءات الاحتلال، بل سيبدعون في مواجهتها من خلال رفع الصفة التنظيمية عن الأسرى ورفض تلك الإجراءات.