من المعلوم أن حلّ الدولة مشروع قديم، وليس وليد فشل مشروع حل الدولتين. وربما تكون الثورة الفلسطينية بقيادة عرفات قد طرحته في أوائل السبعينيات بعد هزيمة 1967م. ويمكن أن نقول دون الخوض في التفاصيل : إن فتح ، والجبهتين الشعبية والديمقراطية، وغيرهما من الفصائل الأخرى قد طرحت هذا الحل قبل هزيمة 1967م. ويبدو أن منظمة التحرير والفصائل المنضوية تحتها رأت في هذا الحل أمرا ممكنا، ورأت فيه مرونة في التعامل مع الواقع الذي فرضته (إسرائيل وأميركا ) في المنطقة.
ويقال إن الحركات الإسلامية في تلك الفترة لم تكن تقبل بحل الدولة الواحدة، وكانت تأمل أن يحدث التحرير الكامل لفلسطين، وأن تكون الدول العربية أكثر نضجا في معرفة أخطار دولة( إسرائيل)، وقد فشلت منظمة التحرير في إقناع التيارات الإسلامية بحل الدولة الواحدة، لا سيما بعد أن أثقلته فتح واليسار بالعلمانية ، التي كانت تعني عند الإسلاميين اللادينية .
لم تثبت فتح والمنظمة على حل الدولة الواحدة مدة طويلة، حتى كان اتفاق أوسلو ( الكارثة)، الذي وجه ضربة قاضية لمشروع حل الدولة الواحدة، وهو ما أراح دولة الاحتلال، وساعدها على كسب الوقت، والاستيطان، والقضاء على مشروع حل الدولة الواحدة، وتحقيق ما يسمى يهودية الدولة، تعاملت تكتيكيا مع مشروع حل الدولتين كعنوان سياسي طرحه بوش الابن ، في ظرف حربه على العراق ليجمع معه الدول العربية.
إن فشل أوسلو، وفشل مشروع حل الدولتين، وتوسع الاستيطان، وضم القدس، وتخلي فتح عن الكفاح المسلح، شجع أطرافا فلسطينية ( وطنية وإسلامية ) على إعادة طرح مشروع حل الدولة الواحدة بحقوق متساوية وديمقراطية، دون الخوض في التفاصيل، لكي تواجه به مشكلة يهودية الدولة، وفشل حل الدولتين، وتضع سياسة ( إسرائيل) في مأزق مع الدولالتي تعارض التمييز العنصري. غير أن مشروع الدولة الواحدة واجه رفضا قويا من الأحزاب الإسرائيلية ، لأنه في نظرهم مشروع من شأنه أن يقضي على دولة (إسرائيل) من خلال غرف النوم والفراش، على حد قولهم، يعنون بذلك الغلبة الديمغرافية.
ومن المعلوم أن طرح مشروع حل الدولة الواحدة لن يكون له قيمة سياسية حقيقية، إذا ما طرحته الفصائل من خارج المقاومة . المقاومة وحدها هي من تجعل هذا الحل مشروعا دوليا ممكنا. وإن خطأ فتح والمنظمة أنها طرحت مشاريع الحل: وحل الدولة الواحدة، وحل الدولتين، من خارج المقاومة، ومن ثمة لا يستمع لطرحها أحد، وهنا نقول: إن الحلول تنتزع انتزاعا، ولا تستجدى بدموع الضعفاء، ولا بعطف المجتمع الدولي. المجتمع الدولي يقف مع القوي، وينتظر سخاءه، ورضاه. حلّ الدولة، وحل الدولتين، كلاها يحتاج إلى مقاومة فلسطينية مؤثرة.