لم يكن الطفل أحمد حمدان (13 عامًا) يشكل أي نوع من الخطر على جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي المدججين بالأسلحة والمتحصنين وراء السواتر الترابية شرق مدنية خان يونس جنوب قطاع غزة، ولكنه أصيب في طلق ناري متفجر أدى إلى تفتت في قدمه.
الطفل حمدان الذي أصيب خلال مشاركته في مسيرة العودة وكسر الحصار في 2 نوفمبر 2018، لم يتعافَ حتى الآن من إصابته، ما جعله يلازم الفراش في بيته، وعدم تمكنه من ممارسة حياته الطبيعية كبقية أقرانه.
يقول حمدان لـ"فلسطين": "ذهبت برفقة شقيقي حسن إلى مخيم العودة في بلدة خزاعة شرق مدينة خان يونس، وكنت بعيدًا عن السلك، ولم أرَ أي جنود، ولكن فجأة سقطت على الأرض، مع ألم شديد في قدمي ودماء غزيرة".
ويضيف: "نقلت إلى مستشفى غزة الأوروبي، ثم ناصر قرب منزلي في مخيم خان يونس، وخضعت لأكثر من 5 عمليات داخل المستشفى لعلاج قدمي، ولكن حتى الآن أعاني من آلام ومشاكل في قدمي، ولا أستطيع المشيء كالسابق".
ويطالب حمدان الجهات الدولية والسلطة الفلسطينية بمعاقبة الاحتلال الإسرائيلي، بسبب إطلاقها النار على قدمه، رغم أنه لم يكن يشكل أي خطر عليهم.
أحمد لم يكن الطفل الوحيد في حيه في مخيم خان يونس الذي تعرض لإصابة خطيرة، فجاره محمود الصوالحي أصيب برصاصة إسرائيلية في رأسه خرجت من عينه اليسرى شرق مدينة خان يونس.
وبعد عمليات جراحية خارج قطاع غزة، تماثل الصوالحي بالشفاء، ولكنه فقد عينه بشكل كامل، ولم يعد يرى بها.
ويعد استهداف المدنيين خلال التظاهرات انتهاك لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو ما يتطلب من السلطة الفلسطينية التحرك الجاد لمحاسبة الاحتلال من خلال إحالة ملف الانتهاكات ضد المتظاهرين إلى محكمة الجنايات الدولية.
وكانت لجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في الانتهاكات، أكدت في تقريرها وجود أدلة على أن دولة الاحتلال ارتكبت جرائم ضد الإنسانية خلال قمعها مظاهرات مسيرات العودة في قطاع غزة.
وقالت اللجنة: إن "قناصة عسكريين أطلقوا النار على أكثر من ستة آلاف متظاهر أعزل أسبوعا بعد أسبوع في مواقع المظاهرات". وأضافت أنها وجدت أسبابا منطقية تدفع إلى الاعتقاد أن القناصة الإسرائيليين أطلقوا النار على صحفيين وعاملين صحيين وأطفال وأشخاص ذوي إعاقة.
ومنذ بدء مسيرات العودة في نهاية مارس 2018 استشهد 251 مدنيًا على الأقل بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم هذا التقرير الأممي الحقوقي الموثق، لا تزال تمتنع السلطة الفلسطينية عن إحالة هذا الملف إلى محكمة الجنايات الدولية، وهو ما يعد تهرب منها من إدانة الاحتلال.
رئيس مجلس إدارة الهيئة المستقلة لتوثيق جرائم الاحتلال المستشار عماد الباز، يؤكد أن المادة الـ13 من اتفاقية روما، تبين ما الطرق التي يتم من خلالها إحالة ملف الجرائم الحرب إلى محكمة الجنايات الدولية.
ويقول الباز لـ"فلسطين": إن "السلطة الفلسطينية تتمتع بعضو مراقب في الأمم المتحدة منذ 2012، وبعد عامين انضمت السلطة للمحكمة الجنائية الدولية".
وأضاف: "طلبت الهيئة من السلطة تقديم ملفات حقوقية تدين الاحتلال بقيامه بجرائم حرب للمحكمة الجنائية، ولكنه ترفض حتى الآن".
وبين الباز أن وزارة الخارجية التابعة للسلطة، لم تقم بتحويل أي من ملفات انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، خاصة جرائم القتل والبتر، واستهداف الصحفيين، والطواقم الصحية، باستثناء رفع ملف انتهاكات المستوطنين فقط.
وذكر الباز أنه تواصل مع صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، من أجل مدها بآلاف الملفات القانونية المحكمة تمهيدًا لتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية، ولكنه لم يستجِب لذلك.
وأرجع رئيس مجلس إدارة الهيئة المستقلة لتوثيق جرائم الاحتلال، الأسباب وراء امتناع السلطة عن الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية، إلى استجابتها للضغوط الإسرائيلية، كون وصول ملفات الانتهاكات لهذه المحكمة قد تؤدي إلى ملاحقة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وأبرز القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين.