فلسطين أون لاين

رضيع مُبعد من القدس "يلتقط سيلفي" على خط النار بغزة

...
مسيرات العودة وكسر الحصار شرقي مدينة غزة الجمعة 1-3-2019 (الأناضول)
غزة- نبيل سنونو

كان يطلق نظراته تجاه كاميرا والدته، بعينيه المدورتين، ويشتم الهواء القادم من أرضه المحتلة خلف السياج الفاصل رغم كونه ملوثا بقنابل الغاز التي تطلقها قوات الاحتلال الإسرائيلي جنبًا إلى جنب مع الرصاص الحي على بعد عشرات المترات فقط.

هذا ليس إلا رضيع يحمله والده المبعد من مدينة القدس المحتلة، في تلك المنطقة التي حولتها قوات الاحتلال إلى ساحة تصيب وتقتل فيها من تريد من الفلسطينيين المشاركين في مسيرة العودة وكسر الحصار السلمية شرق غزة.

وعندما سأل الأسير المحرر بسام أبو سنينة، والد الرضيع، أطفاله: محمد، وشيماء، وسراء: "المسجد الأقصى لمين يا بابا؟" صرخ جميعهم: "النا يا بابا".

وكأنما كانت مشاعر الرضيع إبراهيم تهدي أنظاره لمدينة القدس المحتلة التي ينحدر أبوه منها، دون أن يتمكنا من العيش فيها، فراح يتجاوب مع صور "السيلفي" التي جمعته وعائلته على "خط النار" شرق غزة للمطالبة بالعودة.

بيان العواودة، زوجة المحرر أبو سنينة، تنحدر من مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة تقول عن التقاط صور "السيلفي" في تلك المنطقة: "هنا نشتم رائحة تراب الضفة والشجر".

واعتادت العواودة التوجه إلى الخليل كل عامين منطلقة من معبر رفح البري، في ظل منعها من الانتقال المباشر إلى مسقط رأسها عبر حاجز بيت حانون (إيريز) الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال.

ليتخيل إنسان في هذا العالم أن ثمة سياجا احتلاليا ملغما بأعتى أنواع الأسلحة يمنعه من الوصول إلى مدن وطنه، هذا لسان حال الشابة الفلسطينية وهي تلقي بنظراتها الحادة على السياج الفاصل شرق غزة، والحانية على أرضها المحتلة.

"شعور مستفز جدا"؛ تقول العواودة، مبينة أنه لولا وجود الاحتلال لتمكنت من الانتقال من غزة ركوبا بالسيارة، إلى بلدة دورا جنوب الخليل خلال ثلث ساعة.

وتضيف: لو كان الطريق مفتوحا من غزة إلى دورا لتمكنت من زيارة أهلي والرجوع إلى غزة حيث يمكث زوجي يوميا.

وتتكبد العواودة متاعب السفر في طريقها إلى الضفة الغربية كلما أرادت زيارة أهلها هناك.

شيماء (7 أعوام) أنصتت لأمها بينما كانت مركبات الاحتلال العسكرية تلقي قنابلها المسيلة للدموع ورصاصاتها القاتلة تجاه المشاركين في المسيرة السلمية، حيث أمكن رؤية سحب دخانية بيضاء، وسط حركة كثيفة لسيارات الإسعاف.

تقول هذه الطفلة: "أنا ما بقدر أرجع على الخليل من هنا (عبر هذا السياج)، الاحتلال بيطخ عليا (يطلق النار تجاهي)".

أما سرّاء التي سبق لها أن صلت في المسجد الأقصى برفقة عمتها تصرخ في محاولة لإسماع قوات الاحتلال: "روحوا عنا، انصرفوا..".

وعن دوافع اصطحابه أطفاله للمشاركة في مسيرة العودة، يقول أبو سنينة: نحن نبث فيهم هذه الروح الوطنية والتأكيد على أن هذه الأرض لنا والمسجد الأقصى وفلسطين كلها لنا.

الأسير المحرر الذي كأنما ترتسم القدس في بؤبؤ عينيه اللامع يضيف: نحاول أن نوضح لأطفالنا أن هذا الاحتلال معتد سيزول يوما ما.

ويشارك أبو سنينة كل جمعة في فعاليات مسيرة العودة، قائلا: كان لها "طعم مختلف" أمس لأنها اتخذت لنفسها عنوان "باب الرحمة" شرقي المسجد الأقصى، الذي أعاد المقدسيون فتحه الشهر الماضي رغم قرار الاحتلال إغلاقه قبل 16 سنة.

"لنا لقاء قريب في ساحات الأقصى" يبدي الأسير المحرر ثقته بذلك، مضيفا أنه حضر للتضامن مع المقدسيين والمبعدين عن الأقصى والمعتقلين وأهالي الشهداء.

ويرسل أبو سنينة إلى المقدسيين رسالة مفادها: "غزة العزة والمقاومة إلى جانبكم قلبا وقالبا رغم الحصار والألم، ولن ترضخ لصفقة القرن ولا لتهويد القدس ولا لتقسيم الأقصى إطلاقا".

وستُذَكِّر صورة "السيلفي" التي حظي بها الرضيع إبراهيم، أنه اقترب مذ كان في أشهر عمره الأولى، من مسقط رأس أبيه، القدس المحتلة، بأقصى ما أمكن له ذلك، ولو كان على "خط النار" في غزة المحاصَرة.