على الرغم من تزايد وتيرة سفر الفتيات الجامعيات إلى الخارج في الآونة الأخيرة لإكمال دراستهن العليا, أو للبحث عن العمل, ضاربات بعرض الحائط نظرة المجتمع القاصرة تجاههن, إلا أن ذلك لا يمكننا تعميمه على باقي فتيات المجتمع, فمنهن من قبلن التقييد بالتقاليد المجتمعية خوفًا على مستقبلهن رغم طموحهن بإتمام المراحل العليا من تخصصاتهن الجامعية.
ض. م, فتاةٌ جامعية متفوقة أنهت شهادة البكالوريوس بامتياز, ثم حازت على منحة للدارسة في إحدى جامعات تركيا, في بداية الأمر كانت متحمسة ولاقت تشجيعًا كبيرًا من مدرسيها وزميلاتها في الجامعة إلا أن أهلها أظهروا لها شبحًا مجتمعيًا بانتظارها حين العودة, سيحرمها الكثير من الفرص أولها الزواج, ظلّت الفكرة تراودها حتى تخلت عن المنحة تفاديًا لعواقبها السلبية كما تقول, فما موقف الشرع الإسلامي من النظرة المجتمعية الدونية للفتاة التي تُسافر من أجل التعليم؟! ومتى يتوجب على الفتاة تفضيل خيار الزواج على التعليم؟!
د. تيسير إبراهيم أستاذ الفقه وأصوله في كلية الشريعة الإسلامية بالجامعة الإسلامية يقول: "إن سفر المرأة وتقدمها بالسن والذي يُفضي بتراجع فرصتها في الزواج هذه مسألة اجتماعية حقيقةً أكثر منها شرعية, حيث كُل حسب تفضيله لعمر المرأة فمنهم من يُحبذ الارتباط بفتاة صغيرة بالسن, ومنهم من يُفضل المتعلمة ولو كانت كبيرة بالسن, فالشرع هنا لا يمنع الناس من التفكير بهذه الطريقة, لأن ذلك يعود لثقافة الشخص وميوله.
لكن ما موقف الشرع من تأخير الفتاة لزواجها من أجل الدراسة أو البحث عن العمل؟! يُجيب د. إبراهيم في حديث لـ"فلسطين": "الزواج حكمه من الناحية الشرعية سنة مستحبة, ليس واجبًا, بمعنى من يؤخره لا يؤخر واجبًا إلا إذا شعر الإنسان أن عدم زواجه يُفضي به إلى الحرام حينها يتعين عليه الزواج بالوجوب".
ويُبين أن المرأة التي تُسافر لأجل التعليم أو العمل, الأصل في الشريعة الإسلامية ألا يمنعها ذلك من حقها في الزواج حين عودتها فهي إنسانة محترمة, متابعًا: "موقف المجتمع من هذه المرأة لكونها فقط سافرت هو موقفٌ ظالم لا يجب التعامل معه؛ لأن السفر الآمن للمرأة ضمن رفقة ومكان آمنين هو في الشرع جائز, وفعل الجائز شرعًا الأصل ألا يؤثر في نظرة المجتمع بحيث تكون ظالمة للمرأة".
وفي حديثه عما يفترض أن تكون عليه نظرة المجتمع يُقول: "يجب أن تكون هذه النظرة تقديرية للمرأة, وعليه أن يُكافئها فهي ضحت وسافرت للتعليم من أجل مجتمعها ورقيه سيما في التخصصات العلمية".
وفي سؤالي عن موقف الشرع من الفتاة التي تُرجح أن سفرها قد يمنعها من فرصتها بالزواج, يوضح د. إبراهيم أنه لا ضابط شرعي أو قانون واضح يحكم في هذه المسألة لكن في هذه الحالات يجيب أن يكون هناك ما يعرف بـــ "توازن المصالح" عند المرأة, بحيث تتخذ القرار الصحيح في تقديم الدراسة والتعلم الذي فيه فائدة للمجتمع على الزواج الذي فيه تكوين أسرة مسلمة وبالتالي يعود بفائدة على المجتمع أو العكس.
ففي كل حالة من هذه الحالات ظروفها الخاصة ووفقًا للمصالح والمفاسد لكل خيار يتم اتخاذ القرار بشأنها, لكن في ظّل وجود المرأة بزمن الفتن هل يتوجب عليها اتخاذ موقف يحميها من الوقوع بما لا تُحمد عقباه؟! يرّد د. إبراهيم: "الزواج سُنة وإذا خشي الإنسان على نفسه من الفتن والوقوع بالحرام, فالزواج هنا واجب, وتفضليه على التعليم واجب".
وأشار إلى أن الموقف الشرعي الذي ذكره لا يكفى للنظر إلى هذا الموضوع, فالشريعة الإسلامية تُراعي العُرف والضوابط المجتمعية وتوليه اهتمامًا كبيرًا :" لدرجة أن في الإسلام قواعد شرعية تقول أن العُرف محكّم, والعادة مُحكّمة".
وذكر أن الحكم الشرعي لا يأتي من فراغ, إنما هو يتحرك في واقع المجتمعات, فإن كان هناك عادات اجتماعية معينة يُراعيها الناس ولا تُخالف الدين الإسلامي, فالإسلام لا يمنعها.
ويُشار إلى أن الأصل في الشرع الإسلامي أن المرأة لا تُسافر وحدها حفاظًا عليها كونها ضعيفة أمام مشقات السفر وأخطاره, ومع ذلك فإن سفر المرأة مع رفقة آمنة وضمن بيئة ومحيط آمنين لتحقيق مصلحة شرعية مثل التعلم أو العلاج أو العبادة فهو جائز شرعًا وفقًا لحديث د. إبراهيم.