قالت شخصيات وفصائل فلسطينية: إن الاحتلال الإسرائيلي بعد أن نجح في السيطرة على المسجد الإبراهيمي، فإن حمى الاستيطان تتوسع باتجاه محيط المسجد الذي يغادره سكانه بسبب القيود والتضييق عليهم من قبل الاحتلال والمستوطنين على حد سواء.
وذكرت تلك الشخصيات والفصائل، أن الاحتلال وبعد مرور 25 عاما على المجزرة فإن المسجد ما يزال أسير السيطرة الإسرائيلية ومنع المسلمين من الصلاة فيه، علاوة على تدنيس قطعان المستوطنين له ومنع رفع الأذان والصلاة فيه لأيام متواصلة.
وصادف، أمس، ذكرى مرور 25 عاما على مجزرة المسجد الإبراهيمي التي نفذها المستوطن اليهودي المتطرف "باروخ غولدشتاين" بحق المصلين في 25 فبراير عام 1994، حين اقتحمالمسجد تحت أنظار جيش الاحتلال فجر يوم الجمعة، وأطلق النيران على المصلين في أثناء سجودهم موقعًا 29 شهيدًا ومئات الجرحى.
وخلال تشييع ضحايا المجزرة أطلق الجنود الإسرائيليون رصاصا على المشيعين، مما رفع عدد الضحايا إلى خمسين شهيدا.
ولا تزال آثار المجزرة تؤّرق مدينة الخليل وأحياءها وسكانها الذين يتجاوز عددهم مائتي ألف نسمة، مُحولة حياتهم إلى جحيم لا يطاق بفعل السياسات التهويدية التي أعقبت المجزرة.
وشكلت سلطات الاحتلال بعد المجزرة لجنة "شمغار" اليهودية التي قضت بتقسيم المسجد زمانيًّا ومكانيًا، واقتطاع جزئه الأكبر للمستوطنين وتقطيع أوصال المدينة وإغلاق أجزاء كبيرة من أسواقها، ناهيك عن إغلاق شارع الشهداء الذي يعد عصب الحياة الرئيس للمدينة.
جرح في الذاكرة
وفي هذا السياق، أكد النائب في المجلس التشريعي عن الخليل نايف الرجوب، أن المدينة لا تزال تذكر جرحها في شهداء مجزرة المسجد، حينما قطع المجرم غولدشتاين سكون الفجر برصاصه الغادر حاصدًا أرواح المصلين.
وأشار في حديث لصحيفة "فلسطين"، إلى أنه بالرغم من مرور 25 عاماً على مجزرة المسجد الإبراهيمي، إلا أن جرائم الاحتلال تتواصل على ذات النسق من خلال سياسة الإعدامات الميدانية في شارع الخليل والضفة الغربية بزعم تنفيذ الفلسطينيين عمليات طعن للجنود والمستوطنين.
وأكد أن كل القوانين الدولية لم تستطع حتى الآن إلزام الاحتلال بتوفير الحماية والأمن للشعوب المحتلة، أو أن تضمن الأمن للفلسطينيين حتى في مساجدهم وأثناء الصلاة، ولم تستطع حماية شعب أعزل من جماعات مسلحة وحاقدة ولديها اعتقاد فاسد يقضي بإنهاء وجود الآخرين.
وبيَّن أن المجزرة كانت تهدف إلى تهجير أهل الخليل وإبعادهم عن منطقة المسجد لإحلال المستوطنين مكانهم تماماً كما حدث في دير ياسين وغيرها، لافتًا أن الاحتلال يحمل رسالة مفادها أن لا مكان في هذه الأرض لديانتين أو شعبين.
رسالة إلى السلطة
وأوضح النائب الرجوب أن المجزرة حملت رسالة إلى القيادة الفلسطينية، التي تركض خلف وهم المفاوضات والتسوية، وهي أن المواجهة مع المحتل يجب أن تستمر، وإن لم يبدأها الشعب الفلسطيني يبدأها الاحتلال بمجانينه المزعومين، فهم يوقدون نار الحرب والفتنة في كل حين.
وأشار إلى أن الاحتلال ومنذ احتلاله للخليل لا يتورع عن ممارسة عمليات القرصنة والإبادة والترحيل الجماعي للمواطنين الفلسطينيين في الخليل وخاصة البلدة القديمة، علاوة على استمرار التضييق على المصلين في المسجد الابراهيمي.
ولفت إلى أن التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الإبراهيمي أتاح لشذاذ الآفاق من المستوطنين وغلاتهم أن يرتعوا بأمن في جنبات المسجد الابراهيمي، وتدخله نساء المستوطنين لكي تدنس جنباته الطاهرة.
وشدد على أن الشعب الفلسطيني بات يعرف طريقه جيدًا من أجل مقاومة الوجود الإسرائيلي، منوها إلى أن سلوك السلطة خلال السنوات السابقة أثبتت أنه غير مجدٍ في استرداد الحقوق الفلسطينية.
كما أكد على ضرورة أن تعود السلطة إلى مهمتها الأساسية وهي حماية الشعب الفلسطيني، ونبذ التنسيق الامني مع الاحتلال، مطالبا إياها بالتمسك بوحدة الشعب الفلسطيني وبقدسية أمنه ومصالحه العليّا.
عمل مخطط
من ناحيته، أكد الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى، أنالجريمة البشعة التي ارتكبها غولدشتاين بحق مصلّي الإبراهيمي يعد عملاً إجراميًّا مخططًا له من مستويات سياسية ودينية وإيديولوجية داخل دولة الاحتلال.
وأضاف في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن الجريمة البشعة تأتي كأكبر حادثة اعتداء صارخ بحق الفلسطينيين بعد توقيع اتفاق أوسلو في 13/9/1993 من جانب أول، منوها إلى أن المجزرة نشرت أجواء إرهابية بحق المواطنين الفلسطينيين وخاصة أنها وقعت في قلب البلدة القديمة في مدينة الخليل من جانب آخر.
وذكر أن حكومة الاحتلال استغلت المجزرة لتقسيم المسجد وإبقاء الجزء الأكبر منه تحت سيطرة المستوطنين، كما أدت لتراجع التواجد الفلسطيني في البلدة القديمة وتقليص عدد العائلات القاطنة في محيط المسجد الإبراهيمي.
وأوضح أن هذه الجريمة تقع ضمن إطار الجرائم ضد الإنسانية، لأنها انصرفت إلى قتل المدنيين الفلسطينيين على أسس عنصرية ودينية مما يستوجب تفعيل قواعد القانون الدولي ذات الشأن بالجرائم ضد الإنسانية وتقديم مجرمي الحرب أمام المحاكم الدولية والوطنية المختصة في هذا المجال.
وأشار إلى أن قوات الاحتلال تواصل بعد ارتكاب مجزرة المسجد الإبراهيمي تنفيذ كافة تدابيرها المشددة لتقييد حركة المواطنين والتنكيل بهم وبخاصة على الحواجز العسكرية الدائمة والفجائية وفرض حظر التجوال على بعض الأحياء ومنع التنقل ضمن العديد منها جنوب مدينة الخليل وأقصى شمال المحافظة وعلى بعض الطرق بين بلدتها.
وبيَّن أن ذكرى المجزرة تأتي فيما لا تزال سلطات الاحتلال تتباهى بمخالفاتها الجسمية وتهديداتها المستمرة بالأخص لمدينة القدس ومقدساتها ومدينة خليل الرحمن وبيت لحم، ضاربة بعرض الحائط قرارات الشرعية الدولية الداعية إلى حماية السكان المدنيين والأماكن الدينية.
إسلامية الهوية
من جهتها، أكدت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أن المسجد الإبراهيمي، مسجد إسلامي خالص، بملكية وقفية للمسلمين وحدهم، ولا يغير من هذه الصفة أي قرار مهما كان، وأن تقسيمه زمانياً ومكانياً لن يتم تمريره بأي شكل من الأشكال على المسجد الأقصى.
وأكدت الأوقاف في بيان صحفي، أمس، أنها هي صاحبة الولاية والسيطرة على المسجد من الناحية الدينية والإدارية والقانونية، استنادًا إلى قرار مؤسسة اليونسكو إضافة المسجد الإبراهيمي إلى قائمة التراث الإسلامي العالمي.
وعبرت الأوقاف عن رفضها بشدة لكل الإجراءات التهويدية التي يتخذها الاحتلال بحق المسجد ومحيطه والبلدة القديمة.
وبينت أن المسجد الإبراهيمي لا يزال يتعرض لانتهاكات خطيرة من الاحتلال الإسرائيلي، وقطعان مستوطنيه، حيث منع سلطات الاحتلال رفع الأذان على مآذن المسجد 631 وقتًا خلال العام 2018م، في حين أغلق أمام المصلين عشرة أيام، وتعرض لأكثر من 48 انتهاكًا واعتداء من أنواع مختلفة "الأمر الذي يستدعي منا العمل وبجدية على إيقاف هذه الانتهاكات".
وقالت: "إن ما تعرض له المسجد الإبراهيمي من تقسيم زماني ومكاني وأدى فيما أدى إلى سيطرة باطلة قانونًا، وشرعًا، وأخلاقًا، لن يتم تمريره بأي شكل من الأشكال على المسجد الأقصى الذي يتعرض لحملة ظالمة وانتهاكات خطيرة تتعلق بالسيادة عليه، وكان آخرها محاولة السيطرة على مصلى باب الرحمة".
وطالبت الأوقاف أهالي فلسطين عامة، ومدينة خليل الرحمن على وجه الخصوص، بشد الرحال إلى المسجد والتواجد فيه وإعماره بالصلاة والعبادة.
ودعت كذلك إلى تفعيل التواجد الفلسطيني فيه، ووضع برنامج للفعاليات الدينية والثقافية والاجتماعية تؤدي لتواجد المصلين المسلمين فيه على مدار الساعة، ومواجهة ذلك كله أيضا بوحدة تامة وإجماع وطني على تحصيل الحقوق كاملة.
كما طالبت المؤسسات الدولية والقانونية بمحاسبة الاحتلال على جرائمه بحق الفلسطينيين ودور العبادة وفضح هذه الجرائم إعلاميا ودوليا لردعه عن كل جرائمه.
فشل رهان أوسلو
من ناحيتها دعت الجبهة الديمقراطية قيادة السلطة إلى مغادرة سياسة الرهان على بقايا "أوسلو"، وتعطيل قرارات المجلسين الوطني والمركزي التي دعت إلى قطع كل صلة بالاتفاق وبروتوكولاته، واستعادة الاستراتيجية البديلة كما رسمها البرنامج الوطني المستند إلى المقاومة والعودة وتقرير المصير والدولة المستقلة.