في القدس غلبت الرحمةُ التي يمثلها الشعب الفلسطيني المظلوم والواقع تحت الاحتلال والأعزل إلا من إرادته وتصميمه على نيل حقوقه المشروعة، القسوةَ التي يمثلها الاحتلال الظالم بكل أشكاله، والمدجج بأنواع السلاح الأمريكي المتقدم تكنولوجيا، والمتخلف أخلاقيا وحضاريا، فلا يمكن أن يجتمع الاحتلال والأخلاق معا، بل لا يمكن أن يجتمع استمرار الاحتلال والإنسانية، فهو لحظة من لحظات فقدانها مهما حاول تجميل ذلك.
باب الرحمة في القدس كرر تجربة داود مع جالوت، الضعيف الواثق مقابل القوي المتغطرس والمرتبك، فأصاب داود جالوت في مقتله، وظهرت معضلة القوة المتغطرسة في إحدى أهم صورها، فهذا القوي المدجج يعجز عن مواجهة الضعيف المحاصر والمقيد.
قد تظهر وتعزز معضلة القوة بصورة أخرى، وهي صورة الأسرى في السجون الإسرائيلية الذين رغم ضعفهم يواجهون بجدارة ظلم الباغي والسجان الذي لا يستطيع رغم إمكاناته الهائلة أن يواجه إرادتهم وتصميمهم الذي لا يقهر على العيش بكرامة وإنسانية رغم كل العقبات.
وقد تكتمل صورة الحق الضعيف ماديًّا الذي يواجه الباطل المفلس أخلاقيا؛ في مشهد الطفل الفلسطيني الشهيد يوسف الداية ابن الـ14 ربيعا وهو يتحدى بطفولته البريئة آلة القمع الصهيونية على حدود قطاع غزة الصامد رغم الألم والحصار، فمن جهة واحدة يصر المضطهدون والمستضعفون في غزة على المقاومة من أجل العيش بكرامة وحرية ونيل حقوقهم المشروعة قانونيا وأخلاقيا، ومن جهة أخرى تعجز آلة القمع الاحتلالية أن تكسر عزيمتهم وأن توقف مقاومتهم، فهي ضعيفة أمام هذا الإصرار.
وهكذا رسمت فلسطين بمسراها وأسراها ومقاوميها مشهدا من أعظم مشاهد الكرامة والإنسانية، وأعطت أملا لكل مضطهد ومستضعف بأن النصر - لا شك - حليف المستضعفين.