قائمة الموقع

مصطفى الأسطل.. حكاية قسّامي خدع الاحتلال 17 عامًا

2019-02-23T09:24:56+02:00
صورة أرشيفية

بـ"اسم مستعار"، اخترق الأسير المحرر مصطفى الأسطل، ما يسمى "حاجز التفاح العسكري الإسرائيلي" غرب مدينة خان يونس شتاء عام 2002م، الذي كان يفصل المدينة عن منطقة "المواصي"، الخاضعة يومها لسيطرة جيش الاحتلال قبل اندحاره عن القطاع صيف 2005م.

نجح الأسطل بالمرور عبر الحاجز الذي كان يفتح من الساعة السابعة صباحًا حتى الخامسة مساءً، لأكثر من 40 مرة باسم مستعار مسجل في هوية مزورة، حتى يطمئن له جنود الاحتلال، ويمنع تسلل الشك والريبة إلى نفوسهم. خلال تلك الفترة كان يخطط لتنفيذ مهمة عسكرية كلف بها من قيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام.

بعد اطمئنان مصطفى على تنفيذ الخطوة الأولى من المهمة، جاءت اللحظات الأخطر منها، وهي إدخال الاستشهاديين محمد عبد ربه عماد، ومازن محمد بدوي، إلى المكان الذي سينطلقان منه لتنفيذ عملية ضد حافلة تقل جنودًا من جيش الاحتلال.

استخدم "الأسطل"، الطريقة نفسها التي خدع بها جيش الاحتلال على حاجز "التفاح"، شديد التحصين، لإدخال الاستشهاديين، عبر بطاقة هوية مزورة لكل منهما، ونجح في تجاوز الجنود والحاجز، ووصلا إلى المكان المخطط له، وفق حديثه لـ"فلسطين".

وسرد "الأسطل" كيف عبرت المجموعة القسامية دون أي عتاد عسكري، على هيئة عمال في المزارع، إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال في منطقة المواصي غرب خان يونس، عند ساعات النهار الأولى قبل تنفيذ العملية بساعات.

حصلت المجموعة على كامل العتاد العسكري الخاص بتنفيذ العملية، من أحد أماكن التخزين السرية للقسام في منطقة المواصي، عند دخول المساء، ثم انطلقوا إلى أقرب مكان من تنفيذ العملية.

قضت المجموعة القسامية ليلتها، بالصلاة، وتلاوة القرآن الكريم، والدعاء إلى الله بأن يوفقهم في إحداث الخسائر في جيش الاحتلال، مع تأهب نفسي، وروح معنوية عالية، لتنفيذ العملية المنتظرة.

قدم "الأسطل" التوجيهات الأخيرة للاستشهاديين قبل الانطلاق لتنفيذ العملية، وأرشدهم إلى مناطق تمركزهما للاشتباك مع جنود الاحتلال عند ساعة الصفر التي ستبدأ مع تفجير الحافلة، كما يضيف.

ويتابع "الأسطل": "انطلقت المجموعة التي كانت تبعد عن مكان التنفيذ كيلو متر واحد، بين أشجار الجوافة الكثيفة التي تشتهر بها منطقة المواصي، وسواد الليل، حتى وصلت إلى النقطة التي سيتم بها تفجير حافلة الجنود، داخلمستوطنة (جني طال)، قرب مدينة أصداء حاليًا.

انتشر أفراد المجموعة الثلاثة حسب ما هو مخطط، حيث اعتلى الاستشهادي "بدوي"، تلة عالية ليكشف الحافلة ويشتبك معها بعد التفجير ووصول التعزيزات من قبل جيش الاحتلال، ثم أخذ الاستشهادي "عماد" منطقة أخرى للاشتباك والانقضاض على الجنود.

كانت مهمة "الأسطل" زرع 4 عبوات ناسفة في طريق حافلة الجنود التي تمر عند الساعة السادسة والنصف تمامًا، ثم الانطلاق قبل التنفيذ بساعة إلى منطقة حاجز التفاح والخروج من "المواصي" نهائيًا لمنع تعقب جيش الاحتلال له.

تأخر "الأسطل" في زرع العبوات، بسبب قدوم أكثر من سيارة للمستوطنين وجيش الاحتلال على الطريق الذي ستمر منه حافلة الجنود المنوي استهدافها، وبعد جهد استغرق أكثر من ساعة، تمكن من زرع العبوات، وإعطاء إشارة للاستشهاديين قبل التنفيذ بنصف ساعة.

غادر "الأسطل" مكان العملية مسرعًا إلى حاجز التفاح، وقبل الوصول انفجرت العبوات من خلال الاستشهاديين بحافلة الجنود، ودار اشتباك مسلح مع قوات الإسناد التي وصلت بعد التفجير.

قضى خلال العملية التي كانت في تاريخ 31/1/2002، الشهيدان "بدوي" و"عماد"، ووصل "الأسطل" إلى حاجز التفاح من أجل الخروج إلى وسط المدينة، ولكن الاحتلال أغلق الحاجز بعد العملية، وفرض طوقًا أمنيًا مشددًا.

كتائب الشهيد عز الدين القسام أكدت في بيان عسكري وقتها، أن الشهيدين تمكنا من اختراق كل التحصينات الأمنية والحواجز العسكرية الداخلية والخارجية لمجمع مغتصبات "غوشقطيف".

وقالت الكتائب في بيانها: "تمكنا من زرع عبوة ناسفة كبيرة مؤلفة من ثلاث عبوات موجهة ضد الدروع على الطريق العام الذي يسلكه الجيش والمستوطنون، واشتبكوا مع الدورية الصهيونية وأوقعوا فيها العديد من القتلى والإصابات قبل أن يرتقوا شهداء".

لحظة الاعتقال

بعد إغلاق الحاجز، عاد "الأسطل"، ليبحث عن مكان آمن يختبئ فيه لحين استتباب الهدوء بالمواصي بعد تنفيذ العملية، فتمكن من الاختباء بأحد منازل أقربائه في المواصي، ليبعد شكوك الاحتلال.

عند دخول ساعات المساء، اقتربت أصوات طائرات هليكوبتر ودبابات وجيبات عسكرية من مكان وجود مصطفى الأسطل، قبل أن يقتحم الجنود الغرفة الموجود بها، وقاموا بإخراجه بعد تكبيل يديه، إلى ساحة المنزل مع جميع الموجودين فيه.

بعد دقائق من وقوف "الأسطل" برفقة أهل البيت، أمر قائد جيش الاحتلال باعتقاله.

خضع الأسطل لتحقيق أولي، حول سبب مكوثه في منزل أقربائه، وكان يبرر لهم أن هدفه العمل في أرضهم الموجودة في المواصي، والاعتناء بها، بسبب قلة فرص العمل داخل مدينة خان يونس.

استمر محققو الاحتلال بطرح الأسئلة على "الأسطل" لمدة 40 يومًا دون الحصول على اعتراف حول طبيعة المهمة التي قام بتنفيذها، وعمل على تضليل المحققين من خلال اعترافه أنه ينشط فقط بالكتلة الإسلامية الإطار الطلابي لحركة "حماس".

حاول الاحتلال الحصول على اعترافات منه من خلال زجه في قسم ما يعرف "بالعصافير" داخل سجن عسقلان في محاولة للإيقاع به لكنهم لم يستطيعوا تحصيل أي شيء رغم التحقيق الطويل.

و"العصافير" مصطلح يطلقه الأسرى الفلسطينيون على العملاء في سجون الاحتلال ويرجع سبب التسمية إلى طريقة تسليم هؤلاء العملاء أنفسهم لإدارة السجون، لاستغلالهم في الإيقاع بالأسرى.

وتستغل مخابرات الاحتلال "العصافير" في تقديم معلومات عن المعتقلين من خلال زجهم في زنازين وأقسام المعتقلين؛ ليقوم هؤلاء العملاء بانتزاع الاعتراف من المعتقل بطرق عديدة، مثل (الاستفزاز، والاستدراج، والضغط، التهديد، والحيل والخداع).

ورغم الأساليب العديدة التي استخدمها "العصافير" في الحصول على المعلومات من "الأسطل"، لم ينجحوا في إسقاطه ليقوم الاحتلال بتحويله إلى المحكمة، واتهامه بالانتماء لحركة "حماس"، والتخطيط لعمليات.

وقضت محكمة الاحتلال بسجنه لمدة 17 عامًا، وأُفرج عنه في الثلاثين من يناير الماضي.

اخبار ذات صلة