لم يعد مصطلح "سوق العمل" دقيقًا في وصف المستقبل الذي ينتظر الخريجين وغيرهم من الشباب، ففرص العمل إن لم تكن معدومةً فهي شحيحة جدًّا، لذا من الأفضل تسميته "سوق البطالة".
مشكلة البطالة هي من أعتى ما يواجه المجتمع الفلسطيني، ذلك لأنها تفتِكُ بعمود الخيمة (الشباب)، ولأن مسئوليتها جماعية ولا تقف عند جهة معينة، وسأناقش مسئولية جهات أربع: السلطة الحاكمة، والمؤسسات الأكاديمية، والأهل، والشاب (الخريج).
تُوكَل للسلطة الحاكمة –أيًّا كانت- المهمة الأكبر في حل هذه المعضلة، فهي من جهة عليها أن تحلّل حاجة السوق، وتوجّه الشباب نحو تخصصات ومهنٍ تتوافر لها فرصٌ للعمل والتشغيل، ومن جهة ثانية عليها أن تخلق فرصًا للعمل بطرق عدة: بناء مؤسسات جديدة، وتوسيع مجالات العمل، وتعزيز سياسة المشاريع الفردية والعمل الحر، ومن جهة ثالثة عليها تقليل سنّ التقاعد الإجباري، فليس من المنطق أن يكون الوالد (55 عامًا) موظفًا في أي قطاع، وله في هذا المجال أكثر من ثلاثين سنة، وابنه الشاب (30 عامًا) ما زال يبحث عن وظيفة أو فرصة عمل، ليبدأ حياته ويبني مستقبله، ومن جهة رابعة عليها ألا تتيح المجال لافتتاح مؤسسات أكاديمية جديدة لا تقدم جديدًا، وألا تمنح مجالًا لافتتاح تخصصات مكررة أو مستهلكة.
أما المؤسسات الأكاديمية فمهمتها تبدأ من تغيير اعتقاد الجمهور عن غالبية هذه المؤسسات بأنها تجارية لا أكاديمية، وهذه المهمة ليست سهلة أبدًا، لأنه ترسخ في العقل الباطن للمجتمع منذ سنواتٍ طوال.
ثم إن التطوير مسئولية مهمة على هذه المؤسسات، فبعض التخصصات لم يعُد لها سوق عمل، فلِمَ تبقِ الجامعات برامجها مفتوحة وتستقطب لها الطلبة؟!، أيضًا بعض التخصصات أُتخمت السوق بها، إلى درجة أن هناك اكتفاءً ذاتيًّا في المجتمع يكفيها عشرين سنة قادمة، ولكن هذه التخصصات ما زالت تعمل وتخرّج مئاتٍ بل آلافًا سنويًّا.
دراسة حديثة كشفت أن تخصص الصحافة –على سبيل المثال-وصلت نسبة البطالة فيه إلى 52%، والتربية إلى 47%، والحاسوب إلى 41%، والقانون والرياضيات والإحصاء والهندسة والمهن المعمارية وهلُمّ جرًا، كلها برامج تستقطب الطلبة دون مستقبل واضح، فما المانع هنا من تجميد أو إغلاق بعض البرامج الأكاديمية، أو تحديد سقف معين من القدرة الاستيعابية لهذه البرامج سنويًّا؟!، فإن كانت حاجة السوق ألفًا في تخصصات الهندسة -مثلًا- فليسمح بتسجيل ألفٍ فقط.
وقد طالعنا أخيرًا قرارًا بتصويب برامج جامعة حكومية، بإغلاق تخصصات كاملة، تكدس خريجوها دون عمل، وهذا -برأيي- قرارٌ لو طبقته كل مؤسساتنا الأكاديمية لتجاوزنا جزءًا كبيرًا من مشكلة البطالة المتجددة بين الخريجين، ولما وقع الشباب في فخ دراسة تخصص يؤهلهم لسوق البطالة لا العمل.
في المقالة التالية بحول الله نتحدث عن مسئولية الأهل والخريج.