ماذا يجري في أروقة السلطة، وفي أروقة حركة فتح؟! الكل يتحرك كأن عقربا لسعتهم، لا أحد يفصح صادقا عن أسباب التحرك. فتح تطالب عباس بحكومة جديدة. حكومة فتحاوية برئاسة شخصية فتحاوية. يقولون حكومة فتح هي من تستطيع أن تتعامل مع المتغيرات الداخلية والخارجية. عباس يفكر.
عباس يقرر وقف استلام أموال المقاصة، إذا خصمت ( إسرائيل) منها أموال الأسرى. عباس يطلب من حاشيته دراسة البدائل. هل ثمة بدائل عن ضرائب الشعب الفلسطيني؟! ومن أين ؟! وفي الوقت نفسه عباس يتألم بغضب من اجتماع موسكو، ومن رفض الجهاد الإسلامي الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا وحيدا. استبد الغضب بعباس فقرر عدم الاجتماع مع أي فصيل لا يعترف بالمنظمة ممثلا شرعيا وحيدا.
هذه قضايا ثلاث تستحق بيانا في مقالات ثلاث. ونحن نبدأ من موسكو. وما أدراك ما موسكو، نار مسعرة، في طقس بارد . الجهاد الإسلامي كما يقال أشعل نار موسكو حين رفض أن يوقع على بيان يعترف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني.
عباس قرر غاضبا ألّا يجتمع هو أو أحد من حاشيته مع الجهاد الإسلامي، ومع أي فصيل لا يعترف بمنظمة التحرير ممثلا وحيدا. لماذا يطلب عباس من الجهاد ، وهو تنظيم معتبر، أن يلغي نفسه ووجوده وإستراتيجيته من أجله أو من أجل فتح؟! نعم المنظمة ممثل رسمي اعترفت بها دول العالم بعد أن اعترفت بها ( إسرائيل )؟! ولكن (إسرائيل ) لم تقل إن المنظمة ممثل وحيد؟! وقد قبل عباس من إسرائيل ذلك. المنظمة من ناحية سياسية ليست ممثلا وحيدا وحصريا في رؤية الفصائل التي لا تشارك في المنظمة، والحجم النسبي لهذه الفصائل في الشعب يزيد على 50%. وإجبارها على ذلك لا يفيد المنظمة ولا يفيد القضية الفلسطينية، والواقع على الأرض ينفي مقتضيات التحكم غير المنطقي والإجبار.
إن من يقول ( بالوحدانية حصرا) يلغي الآخرين كالجهاد وحماس والمستقلين. (الوحدانية ) التي استقرت في تاريخ المنظمة بعد مؤتمر قمة الرباط، كان يقصد بها مصريا وعربيا نزع التمثيل عن الأردن، ومن ثمة كان قرار الأردن بفك الارتباط مع الضفة. كانت الدول العربية تريد من الممثل الفلسطيني أن يقود عملية الاعتراف (بإسرائيل) وتذليل عقبات التفاوض معها عربيا، وقد كان للعرب ما أرادوا، وعلينا هنا ألّا ننسى أن عبد الناصر وجامعة الدول العربية هي التي أنشأت منظمة التحرير، بغرض التحكم بالملف الفلسطيني، وفتح تعلم هذا، وقد ذكره قادتها في مذكراتهم .
نعم، المنظمة ممثل، وحماس والجهاد لهما حق في التمثيل بنسبتهم في الشعب، لحين توحد الجميع في إطار المنظمة. وحتى يعاد إصلاحها وترميمها وطنيا. إن ترميم المنظمة، وإصلاحها، يحظيان بإجماع وطني، تشارك فيه حتى حركة فتح نفسها، وعباس وحده هو من يعارض ذلك، وتحرضه بعض الأنظمة العربية، وتؤيده في موقفه لتقطع الطريق على حماس والجهاد، وأي قادم آخر. ومن ناحية أخرى يمكن القول إن ( إسرائيل) تقف خلف هذا الموقف وتؤيده.
عباس يعاقب نفسه حين يوقف اللقاء بفصائل وطنية وازنة تعترف بالمنظمة ، ولكنها لا تعترف بوحدانية تمثيلها لحين إصلاحها، وإشراك الكل الفلسطيني فيها. عباس هو من عرّض منظمة التحرير للخطر، وهو من أساء إليها، حين تلاعب بها، ورفض إصلاحها وإشراك الفصائل فيها، وعليه فإن فشل عباس في إدارة ملف المنظمة لا يقل عن فشله في إدارة ملف السلطة، أو ملف المفاوضات ؟!