المثل الشعبي القائل: "إذا لم تستح فافعل ما شئت" هذا هو بالضبط حال كيان الاحتلال الإسرائيلي وحليفته أمريكا، في التعامل مع القضية الفلسطينية.
منذ انتخاب ترومان حتى يومنا هذا لم يأت رئيس أمريكي واحد ينصف قضيتنا ويضع القرارات الدولية موضع التنفيذ، فعندما يشرعن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الجدار الفاصل، ويدوس برجليه الاثنتين على قرار المحكمة العليا في لاهاي، ويقول: "إن بناء الجدران الفاصلة بين الدول والشعوب هو السبيل الوحيد لمنع الإرهابيين وقطاع الطرق من الوصول إلى مبتغاهم، والذي لا يفهم هذه السياسة فليذهب إلى (إسرائيل) ويرى كيف ينعمون بالسلام"؛ فانه بذلك يؤيد أفعال الكيان العنصرية، وهذه تعد آخر هدية يقدمها إلى الشعب الفلسطيني وإلى السلطة الفلسطينية، هذا فضلًا عن غض الطرف عن بناء آلاف الوحدات الاستيطانية على أراضي الشعب الفلسطيني منذ تقلده الحكم قبل أقل من نصف شهر.
وأذكر بعض الأمور التي قالها بعض الرؤساء ثم تراجعوا عنها، وأولهم الرئيس جيمي كارتر الذي كنّا نعتقد أنه يمكن أن يكون منصفًا للشعب الفلسطيني، وذلك عندما قال في أثناء حملته الانتخابية في لوس أنجلوس: "إن الفلسطينيين يحق لهم أن يتمتعوا بدولتهم المستقلة حسب القرارات الدولية"، فصفقنا له، ولكن بعد أسبوع واحد اعتذر عما قاله لمصلحة الكيان العبري.
الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان كان داعمًا للاستيطان، وناكرًا لحق العودة للاجئين، ورافضًا للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وغير مقر بحل الدولتين، أما جورج بوش الأب الذي قال ذات مرة: "حاولت أن أكون منصفًا لقضيتكم، ولكن _يا للأسف!_ النتيجة أنني خسرت الانتخابات أمام السيد كلنتون". وعندما أصبح كلنتون رئيسًا للولايات المتحدة حاول كذلك أن يكون وسيطًا نزيهًا في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى درجة أنه كان متفائلًا جدًّا ليكون "رجل السلام"، وعندما سأله أحد الصحفيين: "أتؤيد عودة اللاجئين؟" قال: "لاشك، أي لاجئ عنده بيت يجب أن يعود إلى بيته"، ولم يمض على هذا التصريح ٢٤ ساعة حتى أنبه اللوبي الصهيوني ومسح كلامه.
أما بوش الابن فماذا قال لشارون عندما اجتاح مخيم جنين في الضفة الغربية بدباباته؟، قال له: "خذ دباباتك واترك فورًا الضفة، وأقول زيادة عن ذلك إنني أعني ما أقول"، ولكن _يا للأسف!_ بوش الابن هو الذي سحب كلامه أمام أفعال شارون، وتركه يستمر في المجازر حتى النهاية.
ولم يكن الرئيس أوباما أفضل حالًا من سابقيه، بل جاء ليضلل عقول الناس بعبارات خداعة، فمازالت كلماته ترن في الآفاق عندما وقف على مسرح جامعة القاهرة وقال: "لن أدير ظهري بعد اليوم للقضية الفلسطينية، وسأعمل على حل الدولتين"، وأدان الاستيطان وعده غير شرعي، ولكن ما إن عاد إلى البيت الأبيض حتى نكث وعده وتراجع عن كلامه، وكان من أكثر رؤساء أمريكا دعمًا للاحتلال، والشاهد عليه آخر صفقة عسكرية _وهي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة_ عقدها مع الكيان.
وإن رؤية وزير خارجية أمريكا جون كيري واجتماع باريس قبل أقل من شهر كانا دون مستوى القرار الأممي رقم (٢٣٣٤)، إذ إن رؤية كيري فيها غبن من ناحية يهودية "الدولة" الإسرائيلية، وحق العودة، وغموض عاصمة الدولة الفلسطينية، وهي "شرقي القدس"، واليوم يطلع علينا نتنياهو بشرطين: أولهما الاعتراف بيهودية "الدولة"، والشرط الآخر هو أن الكيان العبري هو المسؤول عن حدود فلسطين، أي أن الكيان هو المسؤولة عن أمن المعابر كما هو الحال اليوم، ونحن لا نزال نستنكر، أي أن المهزلة مازالت قائمة.
والرئيس الحالي ليس أسوأ كثيرًا ممن سبقوه بدعم المحتل، ولكنه أكثر صراحة ووضوحًا من غيره، وإن كان غبيًّا سياسيًّا كما يصفه مراقبون فإنه يفضح المخبوء؛ فهو قال الحقيقة، أي أن أمريكا هي الحاضنة لبناء المستعمرات الجديدة، وإنها سوف تخفض ميزانية أمريكا في الأمم المتحدة، كل هذا يحدث ونحن مازلنا نستنكر أفعال الكيان غير القانونية، وهذا يعني أن ترامب مستمر في دعم الكيان وغض الطرف عن المستعمرات، وفقط سيؤجل نقل السفارة، فإذا لم تكن أمريكا جادة بأن تكون الوسيط النزيه لتنفيذ القرارات والاتفاقيات الموقعة مع المحتل ومع أمريكا؛ فلنقفل نحن _الفلسطينيين_ صفحة المفاوضات كلية برعاية الإدارة الأمريكية، ولنرجع إلى الوحدة الوطنية والتصدي لمخططات الاحتلال.