بعد أقل من ثلاثة أشهرٍ من وفاة الطفل الفلسطيني اللاجئ محمد وهبة في لبنان، على إثر رفض مشفى لبناني علاجه، بحجة "غياب التمويل اللازم"، لفظت الطفلة ماريا أبو عزارة هي الأخرى أنفاسها الأخيرة، أمام ناظري ذويها داخل بيتها، ودون أي قدرة على إدخالها أيًّا من المستشفيات والحصول على ما يتكفل بعلاجها من مرض السرطان.
ووفقًا لعائلة الطفلة "أبو عزارة"، البالغة ثلاث سنوات، فإنهم اكتشفوا مرض ابنتهم بعد أن أجروا لها فحوصات عادية في مشفى غسان حمود بسبب مرضها المفاجئ، وفي المشفى أخبرهم الأطباء أنّ ابنتهم مصابة بسرطان الدم وهي بحاجة للبقاء في المستشفى أسبوعًا كاملًا لتلقي العلاج المكثف السريع لإنقاذ حياتها.
وأخبر الأطباء ذوي الطفلة احتياجها في الأسبوع الواحد 4 جرعات علاج مكثف في المرحلة الأولى، وفي الفترات اللاحقة ولمدة سنتين تحتاج إلى جرعة واحدة أسبوعيًا، وهو ما كان بمثابة صدمة كبيرة لهم بسبب عدم قدرتهم على تأمين أي جزء من مبلغ مرحلة الاستشفاء بسبب أوضاعهم الاقتصادية المزرية.
وتفتحُ وفاة الطفلة "أبو عزارة" من جديد ملف الاستشفاء والذي يمثل كابوسًا حقيقيًا على كاهل اللاجئين الفلسطينيين ومرضاهم في لبنان، مع إصرار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" على الاستمرار في عدم تقديم دعمها الكامل لهذا الملف، والإبقاء على نسبتها المنقوصة والتي تُبقي الباب مشرعًا لسقوط المزيد من الضحايا مع قلة ذات يدهم.
وتعقيبًا على ذلك، قال مدير مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان في لبنان، د. محمود الحنفي: إن مئات الحالات المرضية تعاني من نفس الظروف التي أدت إلى وفاة الطفلة "أبو عزارة"، والطفل "أبو وهبة"، فيما جلّ هذه الحالات في انتظار المجهول.
وأكدّ الحنفي لـ"فلسطين"، أنّ اللاجئين الفلسطينيين يقعون بين فكِ عدم تقديم "أونروا" الدعم الصحي اللازم لعملية الاستشفاء، لاسيّما أصحاب الأمراض والعمليات الخطيرة، وكماشة وضعهم المادي الذي لا يسمح مطلقا بتغطية أي نفقات استشفائية في لبنان، والذي تعدّ تكلفة العلاج داخله من أغلى دول العالم.
وشدد على أنّ "أونروا" ذاتها لا يوجد داخلها الشفافية المطلوبة، وفي المستشفيات التي تبرم معها العقود داخل لبنان التي يُعالج فيها اللاجئون.
وأشار إلى أن "الأونروا" تتذرع بشكل دائم، بكون فاتورة الاستشفاء في لبنان الخاصة باللاجئين الفلسطينيين "مكلفة جدا"، في مقابل عدم توفر الإمكانيات المالية لديها، غير أن ذلك لا يعفيها مطلقا من المسؤولية الملقاة على عاتقها.
وشدد الحنفي على أنّ الأمم المتحدة مطالبة بدعم "أونروا" بما تقدمه من خدمات صحية كاملة للاجئين الفلسطينيين، حتى عودتهم إلى أرضهم، وألا يكون عجزها مركبًا، أحدهما يتعلق في تخليها عن تحقيق حق العودة، والآخر حول عدم دعم اللاجئين وتوفير حياة كريمة لهم.
من جهته، أكدّ مدير عام الهيئة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين، علي هويدي، أنّ "أونروا" أصمّت آذانها تجاه مطالب تحقيق منظومة دعم كامل لملف استشفاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وأوضح هويدي لـ"فلسطين"، أنّ وفاة الطفلة "أبو عزارة" أغلقت باب التفاؤل بإمكانية اتخاذ "أونروا" خطوات إيجابية في ملف الاستشفاء، سيما وأنها الطفل الثاني الذي يتوفى خلال فترة قصيرة بسبب عدم مقدرة ذويه على علاجه.
ونبه إلى أنّ اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات أو حتى المهجرين من سوريا إلى لبنان، يعيش معظمهم حالات مادية صعبة وقاسية، إلى جانب ما يعيشونه من حياة بؤس وفقر مدقع، لا يمكن لهم أن يتحملوا وحدهم أية تكاليف مالية من حسابهم الخاص لاستشفائهم، وقال هويدي: إن إغلاق هذا الملف، ووقف إمكانية وفاة أي حالة مرضية جديدة في صفوف اللاجئين، لا يمكن أن يتأتى إلا عبر تغطية "أونروا" تكلفة علاج اللاجئ الفلسطيني كاملة بنسبة 100%.