لم يعد الكونغرس الأمريكي الذي يعرف على نطاق واسع بـانحيازه لـ(إسرائيل)، محصنا ضد دخول أعضاء مؤيدين لحركة مقاطعة الأخيرة وفرض العقوبات عليها وسحب الاستثمارات منها المعروفة اختصارا بـ"BDS"؛ إذ إن نائبين مسلمتين أعلنتا تأييدهما هذه الحركة في الولايات المتحدة التي توصف (إسرائيل) بأنها "ابنتها المدللة".

والنائبان هما إلهان عمر ورشيدة طليب المنتميتان إلى الجناح اليساري للحزب الديمقراطي. وأدى موقفهما إلى شن حملة عليهما من داخل الحزب وخارجه المعروف بعلاقته الوثيقة مع دولة الاحتلال.

طليب المنحدرة من أصول فلسطينية سبق أن أرجعت موقفها لكونها تريد تسليط الأضواء على مسائل مثل العنصرية وخروقات (إسرائيل) للحقوق الإنسانية للفلسطينيين. أما عمر فهي ابنة لاجئين صوماليين، وتقول: إنها تعمل على إدخال بعض التوازن إلى الموقف الأمريكي الذي تعد أنه "يعطي بوضوح الأولوية" لـ(إسرائيل).

وتقول المنسقة الإعلامية في اللجنة الوطنية للمقاطعة ريتا أبو غوش: إن التعويل لا يكون على "جسد الكونغرس" وإنما بإمكان هاتين النائبين التصدي لمحاولات اليمين المتطرف تمرير مشاريع قوانين ضد حركة المقاطعة.

وكان مجلس الشيوخ –الذي يتمتع الحزب الجمهوري بأغلبية داخله- أقر "قانون محاربة مقاطعة (إسرائيل)". وتبين أن 22 ديمقراطيا من أصل 47 عارضوا هذا النص لكونه يخرق حق المقاطعة الاقتصادية التي هي جزء من حرية التعبير التي يحميها الدستور الأمريكي.

وإقرار هذا القانون في مجلس النواب –الذي يتمتع فيه الحزب الديمقراطي بأغلبية- ليس مسألة محسومة.

وتقول أبو غوش لصحيفة "فلسطين": هناك مؤشرات قد تكون إيجابية إلى أن حركة المقاطعة باتت متنامية ولديها أثر وأيضًا قدرة على خلق جدل.

وتضيف أن وجود نائبين كطليب وعمر مزعج لـ(إسرائيل) وقد يساهم في عرقلة بعض مساعي "اللوبي الصهيوني" واليمين في الكونغرس، لكن بالتأكيد هناك سياسة أمريكية لديها قوانينها وقواعدها وسقفها، وهناك دائما محاولات لتمرير قوانين ضد الحركة.

وتوضح أن المرشح السابق للرئاسة الأمريكية بيرني ساندرز الذي كان يتجنب الحديث عن حركة المقاطعة، عارض تشريعا يدعو حكومات الولايات المحلية إلى تعليق أي عقود قديمة وعدم توقيع أي عقود جديدة مع شركات تشارك في حملات مقاطعة (إسرائيل).

واستند ساندرز إلى أنه "من السخف أن يكون التشريع الأول الذي يتعامل معه مجلس الشيوخ يتعلق بمعاقبة الأميركيين على ممارستهم حقا دستوريا بالتعبير عن آرائهم ومواقفهم السياسية".

وتقول أبو غوش: نشهد أجيالا جديدة تصعد في الولايات المتحدة أكثر اندفاعا نحو العمل لحقوق الإنسان، بعكس العادة عندما كنا نشاهد سياسيين يتحدثون عن هذه الحقوق بمعزل عن فلسطين.

وتتوقع المنسقة الإعلامية أن يضاعف الاحتلال جهوده للتصدي لحركة المقاطعة عبر وزاراته، أو "اللوبي الصهيوني" الذي يحاول تمرير مشاريع قوانين في الولايات المتحدة وأوروبا.

تحولات سياسية

وعن تأثير تأييد النائبين طليب وعمر لـ"BDS" على (إسرائيل)، يقول الاختصاصي في شؤون الاحتلال الإسرائيلي أنطوان شلحت: من الممكن أن تؤثرا عليها من خلال هذه الحركة ارتباطا بالتحولات السياسية الجارية داخل الولايات المتحدة.

ويضيف شلحت لصحيفة "فلسطين" أن هناك صراعا داخليا في الولايات المتحدة مع الإدارة الأمريكية الحالية وبين الحزبين الجمهوري والديمقراطي انعكس في العديد من مفترقات الطرق المهمة كان آخرها الانتخابات النصفية.

ويشير إلى أن تأثير هذا الصراع ينعكس في وجود تحولات وإن كانت طفيفة في مواقف الحزب الديمقراطي باتجاه تأييد حركة المقاطعة، وهذا يمكن الاستدلال عليه عبر متابعة إشارات قوية إلى وجود قلق إسرائيلي من هذا التطور.

ويلفت شلحت إلى أن مقالات تنشر في وسائل إعلام عبرية عن أن تعويل حكومة الاحتلال كل سياساتها الخارجية على الإدارة الأمريكية الحالية والجانب المتطرف في هذه الإدارة من شأنه أن يؤدي إلى خسارة تأييد أوساط مهمة في الحزب الديمقراطي، يدفع إلى توجهها لنشاطات كتلك التي تتبناها "BDS".

كما أن العلاقة القائمة بين حكومة الاحتلال وإدارة الرئيس دونالد ترامب تؤثر على علاقة (إسرائيل) "بالجالية اليهودية" في الولايات المتحدة، فهي في معظمها تؤيد الحزب الديمقراطي وليس الجمهوري الذي ينتمي إليه دونالد ترامب، بحسب شلحت.

ويوضح أنه في هذا الإطار يمكن التأثير داخل الولايات المتحدة على شكل إعطاء حراك المقاطعة المزيد من الزخم، لكنه يعتقد أن هذا لا يعني أن ما تقوم به حركة المقاطعة وصل لمرحلة يمكن أن تنعكس فيها تأثيرات على دولة الاحتلال وسياستها الخارجية خصوصا إزاء القضية الفلسطينية، كون ذلك مرتبطا بعوامل كثيرة أخرى.

من جانبه، يعتقد الاختصاصي في الشأن الإسرائيلي وديع أبو نصار أن (إسرائيل) في "مأزق معين"؛ لأن هناك نائبين أمريكيتين تؤيدان حركة المقاطعة في الكونغرس الذي يتحدث عن حرية التعبير وما إلى ذلك.

وفي الوقت نفسه يشير إلى أن سلطات الاحتلال تدرك أنها لو "سكتت" على ذلك من شأنه يحرجها، وكأن هاتين النائبين تفتحان الطريق أمام غيرهما لتأييد حركة المقاطعة.

ويتمم أبو نصار: أعتقد أن (إسرائيل) قد لا تتحرك رسميا ضد هاتين النائبين لكنها قد تحرك بعض أصدقائها في الكونغرس ضدهما، ولمحاولة سن قوانين جديدة من شأنها "تجريم" حركة المقاطعة.