شهد عام 2018م عقد ثلاثة اجتماعات للمجلس المركزي ثاني أكبر مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، في حين عقد المجلس الوطني الفلسطيني -وهو أكبر مؤسسات المنظمة- دورة واحدة، وقد جمع بين هذه الجلسات عامل مشترك، وهو غياب التوافق الوطني.
وعقد رئيس السلطة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود عباس منفردًا "المركزي" في 28-29 تشرين الأول (أكتوبر) 2018م برام الله المحتلة، مع مقاطعة الجبهتين الشعبية والديمقراطية، والمبادرة الوطنية الفلسطينية، فضلًا عن حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي، اللتين يعيق عباس انضمامهما إلى المنظمة.
ورغم ذلك لم يلتزم عباس بقرارات "المركزي": إنهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة كافة تجاه اتفاقاتها مع الكيان العبري، وتعليق الاعتراف به، ووقف التنسيق الأمني أشكاله كلها، والانفكاك الاقتصادي.
وفي آب (أغسطس) من العام ذاته عقد عباس دورة أخرى لـ"المركزي" دون توافق.
وشهد هذا الاجتماع أيضًا مقاطعة واسعة من الشخصيات الوطنية والفصائل، إذ أعلنت "المبادرة الوطنية" و"الشعبية" و"الديمقراطية" عدم مشاركتها، وكان اجتماع "المركزي" الأول في 2018م في كانون الآخر (يناير).
وأما المجلس الوطني فعقد عباس دورة له بعيدًا عن التوافق الوطني، في مقر المقاطعة برام الله في 30 نيسان (أبريل) 2018م، مع تغيّب أكثر من 100 عضو من أعضاء المجلس البالغ عددهم آنذاك نحو 700، وتجاهل حينها عباس ورئيس المجلس سليم الزعنون دعوات عدة، بعضها صدر من أعضاء بالمجلس، لتأجيل عقد الجلسة تحت الانقسام.
واتخذت المنظمة خلال الجلسات المعقودة المذكورة آنفًا جملة من القرارات على الصعيدين السياسي والوطني، غير أن معظمها بقيت مجمدة وحبيسة الأدراج، رغم الأصوات المطالبة بتنفيذها.
التفرد بالقرار
المحلل السياسي ذو الفقار سويرجو يرى أن ما ذهبت إليه القيادة المتنفذة في منظمة التحرير من عقد جلسات "الوطني" و"المركزي" بعيدًا عن الإجماع الوطني هدفه "مركزة القرار الفلسطيني في يد عباس؛ من أجل الاحتفاظ بما يسميه الشرعية القانونية التي منحته إياها الدول العربية، وفقدها فلسطينيًّا".
ويضيف سويرجو لصحيفة "فلسطين": "عباس أخذ تلك الشرعية من خارج فلسطين متجاهلًا الداخل الفلسطيني، وهو الآن يستقوي بهذه الشرعية، ويذهب نحو حالة من التفرد غير مسبوقة".
ويؤكد أن أحد الأهداف التي تعمل عليها حالة التفرد التي يمارسها عباس عزل قطاع غزة عن المشاركة في القرار الوطني، مبينًا أن الهدف الرئيس من هذا التفرد محاولة "شطب الشرعيات" التي منحها الشعب الفلسطيني لأي مؤسسة وطنية.
يشار إلى أن عباس أعلن في كانون الأول (ديسمبر) الماضي حل المجلس التشريعي المنتخب في 2006م، الذي تكتسح فيه حركة المقاومة الإسلامية حماس الأغلبية.
وينبّه سويرجو إلى أن سياسة عباس -ومن ذلك الإجراءات العقابية التي يفرضها منذ آذار (مارس) 2017م- عززت الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة.
من جهته يرى المحلل السياسي هاني حبيب أن جوهر المشكلة في عقد جلسات الوطني والمركزي يتمثل في عدم التوافق على البرامج السياسية، وتفرد قيادة منظمة التحرير وعباس باتخاذ القرارات.
ويقول حبيب لصحيفة "فلسطين": "عقد المجلس الوطني في رام الله دون مشاركة القوى الفاعلة الأساسية في فلسطين دليل على استمرار نهج التفرد الذي يمارسه عباس".
ويشير إلى أن تشكيل الهيئات القيادية في منظمة التحرير جاء في إطار التفرد بالقرار؛ فهي لها ولاء مباشر لعباس، وبذلك هي لا تمثل إرادة الشعب الفلسطيني تمثيلًا حقيقيًّا.
ويكمل: "إن عدم التزام السلطة بتنفيذ اتفاقات المصالحة (وأبرزها اتفاق 2017م)، وجملة من الخطوات الأخيرة (حل المجلس التشريعي، وقرار تشكيل حكومة للسلطة دون إجماع وطني) سيؤديان إلى الانتقال من حالة الانقسام الفلسطينية إلى انفصال كامل".