فلسطين أون لاين

طويلة بيضاء نحيفة

درجت العادة في العقود الأخيرة أن تحمل أي فتاة مؤهلات للزواج، تتلخص في معايير جمالية شبه متفق عليها، ومنها: (الطول، والبشرة البيضاء، والنحافة، والشعر الناعم –ولا بأس إن كان أشقر-، والعينان الملونتان ... إلخ).

وكانت للعرب مواصفات خاصة بهم، نقرؤها في أشعارهم، وقد عُرف عنهم تفضيلهم المرأة المتوسطة الطول، وذات العينين الواسعتين كعيني المها، والشعر الأسود الداكن، والشفتين الغامقتين، وأحب بعضهم قديمًا المرأة الممتلئة وبدينة الساقين، لكن العرب تجاوزوا ذلك بكثير، واهتموا أيضًا بالصفات المعنوية كالحياء والعفاف وصون النفس عن الفواحش.

وأكدت دراسة بلجيكية أجريت في عام 2014م على قارات مختلفة أن معايير الجمال في المجتمعات تختلف باختلاف الجغرافيا والثقافات، ففي حينِ أن المرأة في أوروبا يجب أن تكون نحيفة بيضاء نجد في بعض الدول الإفريقية وجوب أن تكون مكتنزة ممتلئة ذات قوام متوسط، وفي بعض دول آسيا نجد الأسنان غير المرتبة هي علامة الجمال.

ولكن لماذا في القرن الأخير أصبحنا نرى الجمال مقتصرًا على المعايير الأوروبية، لا وفق ما درجت عليه عاداتنا، وتناغم مع طبيعة أجسامنا وحياتنا؟

"الإعلام" وسطوته على العقول هو السبب الرئيس في زرع هذه الرؤى، وجعلها معيارًا لتقويم النساء، فتدفق الصورة من دول الشمال (أوروبا وأمريكا)، إلى دول الجنوب (الشرق الأوسط، وإفريقيا، ...) نجح في إجراء برمجة تتناسب هي وما يريدونه هم، ولا أعني هنا أن كل هذا يأتي ضمن أجندة سياسية، بقدر ما أعني أنه نقل لنا ما يرونه جميلًا لنراه جميلًا، وما يرونه قبيحًا سنراه قبيحًا.

واللافت هنا أن الماكنة الإعلامية لدول الشمال منذ سنوات قليلة بدأت تسوّق لنا معايير جمالٍ مختلفة للمرأة، فما كان ظهوره في قوامها عيبًا أصبح واجبَ الظهور، واللافت أيضًا أن مجتمعاتنا بدأت تغير رؤاها، وتبحث عن الفتاة التي تشبه المعايير الجديدة، وهذا دليل إضافي على أننا نبرمج بصريًّا بما نراه عبر الشاشة.

الجمال -يا سادة- فطرة عند كل النساء، وليست هناك امرأة غير جميلة، واختلاف أشكال النساء لا ينبغي أن يكون مدعاةً للتفريق بينهن على سلم مقاييس وضعته العقول الناقصة، والنبي (صلى الله عليه وسلم) في حديث: "تنكح المرأة لأربع ..." بدأ بالجمال، لأنه ما تُطلب المرأة لأجله أولًا وفق العقل البشري، ثم قال: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، أي أن الدين والأخلاق هما الأهم، مع ضرورة الاهتمام أيضًا بالجمال، لكن وفق ما يتناسب مع طبيعة مجتمعاتنا لا ما يتناسب مع ما نراه على الشاشات.