يقول مناحيم بيغن في كتابه (التمرد) ص 21 بعد خروجه من السجن في الاتحاد السوفيتي: "الإيمان أقوى من الحقيقة. الإيمان يخلق الحقيقة". كانت كلماته هذه تعقيبًا على قول سجين آخر خرج معه من السجن: هذه بداية الرحلة إلى أرض إسرائيل؟!". كان ذلك في عام 1941م.
إنك إذا نظرت في كلمات بيغن الذي ترأس لاحقًا عصابة الأرجون، ثم ترأس المعارضة الإسرائيلية ثم رئاسة الوزراء، ثم صنع كامب ديفيد مع السادات، أدركت أن الإيمان في كل الشرائع السماوية واحد، وأنه يخلق الحقيقة، وأنه لا حقيقة دون إيمان، وأن دولة "إسرائيل" في التاريخ لم تكن شيئًا يُذكر، ولم تكن واقعًا على الأرض، بل كانت حلمًا في ذهن بيغن وغيره من السجناء، الذين آمنوا بهدفه، وسجنوا من أجله.
لقد حققوا ما يريدون، وتمكن إيمانهم من إيجاد "إسرائيل". لا أقول هذه الكلمات لأمدح بيغن وأمثاله من الإرهابيين المؤمنين بدولة "إسرائيل"، ولكن لأقول لدعاة الواقعية في فلسطين والعالم العربي، وبالذات دول الخليج والمملكة، ممن فقدوا إيمانهم، ويرون "إسرائيل" حقيقة واقعة غير قابلة للتغيير. إن الإيمان بفلسطين حقيقة يمكن أن يعيدها للوجود دولة موحدة. الإيمان بـ"إسرائيل" خلق في عرف بيغن "إسرائيل"؟! الإيمان بفلسطين عربية يمكن أن يستعيدها للإسلام. الإيمان يُغيّر الكون ويخلق الحقائق، والعكس غير صحيح، والاستسلام للواقع خيانة وذلة.
كانت نظرية جولدمائير كما أشرنا لها في مقال سابق تقول: إن القوة تخلق السلام مع العرب. و"إسرائيل "الضعيفة لن تجد السلام. وهذه نظرية فيها نظر، وربما كانت نظرية بيغن أكثر صوابًا، حيث يستطيع الإيمان أن يغير الواقع، وأن يحقق الأحلام، بينما الواقع لا يخلق الإيمان، فعندما يزداد إيمان الفلسطينيين والعرب بعودة فلسطين إلى أهلها، ستعود فلسطين لا محالة، وإذا فقد الفلسطينيون الإيمان بعودتها كما حدث في أوسلو، وكما يجري الآن في فتح، فإن فلسطين تبقى بعيدة المنال، وعندها تسكن الذلة والمهانة النفوس باسم الواقع، ويصبح هذا مرضًا معديًا يشكل ثقافة النخبة في المملكة والخليج.
إن أعظم شيء صنعته حماس والحركات الإسلامية عامة هو ترسيخ الإيمان بعودة فلسطين عربية إسلامية في نفوس الأجيال الجديدة، وأن "إسرائيل" دولة زائلة لا محالة. الإيمان هو الحقيقة الثابتة الدائم المتجددة، التي ستخلق الواقع القادم. فلسطين لنا. وهذا المقال نهديه لدعاة التطبيع والاستثمار في "إسرائيل" باسم الواقع القائم.