إن عبارة “مجتمع شرقي” من العبارات الشائعة والمألوفة في ثقافتنا منذ بدايات العصر الحديث، فهي عبارة “نمطية” يكثر استخدام اتجاهات فكرية لها، وكذلك تستخدم على مستوى خطاب الحياة اليومية.
يُتوقع أن أول ظهور لهذه العبارة كان في القرن السابع عشر ميلادية أو ما قبله بقليل، وقد كان لها دلالات إيجابية، ومنها تأكيد تقدم مجتمع حضاريًّا: عمرانًا وتجارة ...، وأخلاقيًّا؛ فهو لا يمتهن المرأة، ولا يعدّها سلعة للدعارة وتفريغ الشهوات، ونستنتج هنا أن من أطلقها أولًا هم العربُ اعتزازًا بهويتهم ومعتقداتهم.
وتدريجًا انقلب الحال، فتقدم الغرب الذي كان متأخرًا متخلفًا جدًّا من جهة، ومن جهة ثانية بدأت العادات الشرقية تعود إلى جاهليتيها الأولى قبل الإسلام، كما أن المثلبة الأخلاقية التي تعتري مجتمع الغرب -وهي اضطهاد المرأة- انتقلت إلينا، لكن بثوب جاهلي قديم، فغدت عبارة "مجتمع شرقي" وصمةً بعدما كانت وسامًا، وصار الشرقي يخجل من كونه كذلك، وعبارة "مجتمع شرقي" باتت تعني "مجتمعًا متخلفًا".
هذا كله لم ينعكس فقط على العبارة التي أصبحت "سُّبة"، لكنه أيضًا أصبح مصدر خجل لمن ينتمون لهذا المجتمع الشرقي، فتنكر كثيرون منهم لكونهم شرقيين، وآخرون تمادَوا ليثبوا "تحررهم" من الشرقية، إلى درجة أن سمحوا لأنفسهم بالتصرف بما يخالف السمت العربي المسلم، وسمحوا لمحارمهم بأن تكون خارج إطار الموروث الديني والثقافي الذي حفظها وحفظ مكانتها، وهم بهذا يصفون أنفسهم بأصحاب الــ Open Main.
وكل ما سلف وغيره هي ردود فعل غير مقبولة على أخطاء نحن من ارتكبناها بالمناسبة، ولم ترتكبها موروثاتنا الدينية والثقافية؛ فليس من الصواب أن نتهرب من كوننا شرقيين (عربًا مسلمين)؛ لمجرد أننا تأخرنا حضاريًّا أو دينيًّا، فالتأخر والتخلف ليسا مشكلة في هويتنا ولا ديننا ولا ثقافتنا ولا منطقتنا الجغرافية، التأخر والتخلف بما كسبت أيدينا.
إن عبارة "مجتمع شرقي" يجب أن تكون من باب الفخر والمباهاة، لا العار والخجل، ولا يكون ذلك في الواقع الحالي الذي نستدعي فيه الغرب في كل تفاصيل حياتنا، هذا الاستدعاء المأزوم الذي لا يتفاعل مع منجزات الحضارة، وإنما مع منتجات الغرب الاستهلاكية ماديًّا وثقافيًّا؛ فقد اعتدنا أن نكون مستهلكين لا مُنتجين، وأن نأخذ من حقوق المرأة في الإسلام ما توافق مع "ذكوريتنا"، وغيرها من المشاهدات التي جعلت "الشرق" تخلفًا، و"الغرب" تقدمًا.