في خاتمة كتاب (حياتي) لجولدا مائير رئيسة وزراء دولة العدو، تقول في إجابة عن سؤال المستقبل: "أعتقد أننا سنحصل على سلام مع جيراننا، ولكني متأكدة أنه لا توجد دولة تستطيع أن توقع معاهدة مع دولة ضعيفة، أو بالأحرى مع إسرائيل ضعيفة، فإذا لم تكن إسرائيل قوية فلن يكون هناك سلام مؤكد"، ص 328.
في كتاب حياتي تحدثت مائير عن المشكلة اليهودية في أوروبا، وتحدثت عن نشأة (إسرائيل)، وعن حرب 1967م، وعن عملها وزيرة للخارجية، وعن حرب 1973م، وعن رئاستها للوزراء، وعن مشاكل (إسرائيل)، وحلفاء (إسرائيل)، وفي كل ما قالته كانت واقعة تحت ظل سؤال المستقبل، وماذا عن المستقبل؟! هل ستحصل (إسرائيل) على السلام مع العرب، أم ستخوض الحرب كل عشر سنوات؟!
العبارة المنقولة من كتابها تحكي قلقها على مصير الدولة، ولذا لم تستطع إغفال نظرية القوة، وبالذات القوة العسكرية والاقتصادية، لأن السلام مع العرب من وجهة نظرها لا يتحقق إلا بالقوة، وخوف العرب من خسارة حرب جديدة. الدولة الضعيفة في نظرها لا تجلب السلام لشعبها، وتبقى خاضعة لقانون الحرب، وأطماع الآخرين.
في نظر مائير أن حرب 67 وحرب 73م لم تجلبا السلام بعد، ولكنهما قربتا (إسرائيل) من فرض السلام على الحرب، وهذا ما تحقق جزئيا في عهد بيغن مع مصر، ثم في عهد رابين مع منظمة التحرير والأردن. معاهدات السلام لم تقدم السلام إلا بشكل جزئي، وما زالت دولة العدو تبحث عن السلام مع المملكة والخليج، وتتخذ من التطبيع مدخلا، ومع ذلك فإن القلق على الوجود ما زال يعيش في وجدان الإسرائيليين، وهذا يرجع إلى حالة المقاومة التي تمارسها غزة والضفة.
نظرية القوة التي أكدتها مائير في عبارتها، التي تمثل الدستور لمن جاء بعدها، نظرية خطأ، فالقوة قد تجلب النصر في الحرب، ولكنها لا تجلب السلام، لأن سلام القوة يعني الاستسلام، والفلسطينيون والعرب يملكون مقومات الاستمرار في الحرب، وفي رفض الاستسلام. النظرية الصحيحة للسلام هي التي تقول بحقوق الفلسطينيين دون إجحاف. والسلام لا يكون مع الرؤساء، بل مع الشعوب، والشعوب رفضت كامب ديفيد، ووادي عربة، وأوسلو، وما زالت تطالب بحقها في تقرير المصير، وحين تحتوي (إسرائيل) الخليج فلن تظفر بالسلام، لأن شعوب الخليج والمملكة يرفضون (إسرائيل) المحتلة، ويؤيدون حق الفلسطينيين في تقرير المصير.