يمثل البرنامج السياسي لرئيس السلطة وحركة "فتح" محمود عباس، الذي لا يحظى بتوافق وطني، عاملا مشتركا بين حكومة رامي الحمد الله التي تطوي صفحتها هذه الأيام، والحكومة التي يعتزم الأول تشكيلها، على أن من المرجح أن تشهد الحكومة الجديدة مزيدا من الهيمنة الفتحاوية، في ظل سياسة السلطة التي تؤدي إلى تغييب الفصائل الوازنة.
لكن حتى حركة "فتح"، هناك من يعارض فيها سياسات عباس، وتحديدا التيار الإصلاحي الذي يرأسه القيادي المفصول من الحركة، محمد دحلان.
ولا يدور الحديث فقط عن تغييب الفصائل الكبرى التي هي خارج منظمة التحرير، بل إن فصائل أساسية في المنظمة لن تشارك في حكومة عباس الجديدة، كالجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين.
ويأتي هذا التحرك من عباس بناء على توصية اللجنة المركزية لحركة "فتح"، لكنه ليس الوحيد، فهو يتلو سلسلة خطوات منها قرار المحكمة الدستورية في رام الله، التي شكلها عباس، بحل المجلس التشريعي المنتخب في 2006، وتكتسح فيه حركة المقاومة الإسلامية حماس الأغلبية.
وعقد عباس (84 سنة) مجالس المنظمة دون توافق في رام الله المحتلة، منها اجتماع في نهاية أبريل/ نيسان 2018، وآخر شهر أغسطس/آب الماضي، لم تشارك فيه الجبهتان الشعبية والديمقراطية والمبادرة الوطنية الفلسطينية.
ويعاني البرنامج السياسي لعباس، الذي يقوم على أساس المفاوضات كخيار استراتيجي، من وصوله إلى طريق مسدود. ويقر عباس بفشل حصول أي تقدم منذ توقيع اتفاق أوسلو 1993، مقابل تضاعف الاستيطان في الضفة الغربية، الذي بات يهدد إمكانية إقامة دولة فلسطينية حتى على ما يعرف بحدود 1967.
وفي سبتمبر/أيلول 2017، قال عباس إن استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب له يدل على جدية الأخير في طرح "صفقة العصر" للشرق الأوسط خلال "الأيام القادمة". وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، اعترف ترامب بالقدس المحتلة "عاصمة" مزعومة لـ(إسرائيل).
"مع السلامة"
يقول المحلل السياسي د. أحمد عوض إن الحكومة التي يعتزم عباس تشكيلها "سيكون حضور فتح فيها كبير جدا"، وأن الأخيرة ستقول "مع السلامة" للفصائل الكبرى التي لن تكون ضمن الحكومة.
ومع ذلك، يضيف عوض لصحيفة "فلسطين": إن فتح تريد أن تسمي الحكومة المقبلة "فصائلية"، بمشاركة عدد من فصائل منظمة التحرير.
وينبه عوض إلى أن الجبهة الشعبية لم تشارك في حكومات السلطة منذ 1994، بينما هناك عوائق متعددة أمام مشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
كما أكدت الجبهة الديمقراطية أمس أنها لن تكون شريكة في الحكومة المقبلة، قائلة: الحكومة الفصائلية ليست أولوية وطنية.
وفي ظل غياب الفصائل الكبرى، يطرح سؤال نفسه عن مدى التأييد الشعبي للحكومة المقبلة.
ويقول عوض عن ذلك: على الحكومة الجديدة وقيادة فتح أن تنتبه إلى أنها حتى تشكل حكومة قوية يجب أن تكون مدعومة من الجمهور، وأن تكون النخب والمجتمع المدني وكل القوى والفعاليات المجتمعية تغطي هذه الحكومة، لتكون مخرجا من الأزمة وليس مدخلا إليها.
ورغم خطوة عباس، يشير إلى أن جهود المصالحة يجب ألا تنتهي، كونها رد حقيقي على "صفقة القرن" وكل المخاطر التي تحدق بالشعب الفلسطيني.
لكنه يوضح أن نية عباس إجراء الانتخابات التشريعية دون رئاسة السلطة والمجلس الوطني، سيكون مثار جدل، مبينا أن الانتخابات تتطلب التوافق على من يشترك فيها ويراقب أداءها، وبدون ذلك قد تؤدي إلى مزيد من التأزم والانقسام.
من جهته يصف المحلل السياسي عمر عساف الحكومة المقبلة بأنها "فتحاوية بامتياز"، وأن إضافة قوى "متواضعة الوجود والحجم في الساحة الفلسطينية" إليها "كديكور" لن يغير من هذه الحقيقة.
ويقول عساف لصحيفة "فلسطين": نحن أمام حكومة من هذا القبيل، ولا أعتقد أن هذا مطلب الشعب الفلسطيني، الذي يريد حكومة تعيد الوحدة ولا تعمق الانقسام وتعزز الاتجاه نحو فصل الضفة عن غزة.
ويردف في الوقت نفسه: لا أحد يستطيع أن يفصل الضفة عن غزة، لأننا شعب ووطن واحد.
ويوضح أن معظم الفصائل الوطنية والإسلامية تطالب بحوار شامل للوصول إلى حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع، والدعوة لانتخابات شاملة لرئاسة السلطة والمجلسين الوطني والتشريعي.
وبينه عساف إلى أنه لا يحق لأحد أن ينفرد بالقرار الفلسطيني أو تشكيل حكومة والادعاء أنها تتحدث باسم الشعب الذي هو بحاجة إلى مواجهة "صفقة القرن" وجرائم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
ويختم المحلل السياسي بشأن الانتخابات، قائلا: إن إجراءها يجب أن يشمل الضفة وغزة والقدس، وأن يكون شاملا لرئاسة السلطة و"التشريعي" و"الوطني"، لافتا إلى أن من يريد انتخابات كان عليه ألا يحل "التشريعي" المنتخب، بل أن يجري الانتخابات لكل المستويات، وبناء على ذلك يأتي المجلس الجديد ليحل محل السابق.