فلسطين أون لاين

في شوارع غزة.. "الفدعوس" يستقبل أبناء طال انتظارهم

...
غزة - فاطمة أبو حية


احتفالٌ في باحة المستشفى، أو في طرقات مبانيه وبين الغرف المخصصة للولادة، وموكبٌ يشبه "الزفة" يسيّره أفراد فرقة "فدعوس"، وسيارة مزيّنة، وحلوى يوزعها الأهل، وزغاريد تصدح بها النساء اللواتي أسرهن الفرح مشهد لم يعد غريبًا على الغزيين، فعددٌ من الأزواج الذين رزقهم الله أبناء بعد سنوات طويلة من الزواج كان احتفالهم بهذه الطريقة، وعلى مدار العام السابق تكرر هذا الأمر أكثر من مرّة.

أحدهما عفوي

من نماذج هذه الصورة من التعبير عن الفرح الاحتفالان اللذان أدخلا السرور على قلب "سماهر الدريملي"، التي أصبحت قبل شهر ونيّف أمًّا، بعد أكثر من ثمانية عشر عامًا على زواجها.

أحد الاحتفالين كان عفويًّا، نفّذه أهل الزوجين تحت وقع السعادة التي غمرتهم بعدما عرفوا بنبأ خروج الطفلة إلى النور، والآخر كان وفاءً لنذرٍ قطعه على نفسه قريب زوجها.

الاحتفال الأول بدأ مع وصول الخبر السعيد إلى الأقارب المحتشدين في الباحة الخلفية الصغيرة لمبنى قسم الولادة بمستشفى الشفاء، ومن فرط الابتهاج استأذن أحد الأقارب من إدارة المستشفى لتشغيل مسجل مثبّت على عربة (التوك توك) الخاصة به ليبث أغنيات تناسب حالتهم، وانضم إليهم عدد من الموجودين في المكان من القادمين لزيارة المرضى، وأيضًا من أفراد طاقم المستشفى.

أما "الفدعوس" فتولى أمره ابن عمّة الأب، فهو قبل عدة أشهر في أثناء وجوده ببيته القريب من مستشفى الشفاء سمع صوتًا غريبًا قادمًا من ساحاتها، أطلَّ برأسه من شرفة المنزل وسأل عمّا يجري، فعرف أن الصوت صادرٌ عن احتفال بقدوم مولود بعد سنوات من زواج الأبوين.

ولأن سنوات زواج ابن خاله زادت على 18 عامًا قرر أن يهنئه بهذه الطريقة التي راقته، وأطلق النذر: "إن رزقه الله مولودًا؛ فسأحتفل له بفدعوس"، وهذا ما كان بالفعل.

احتفالٌ بأنثى

تقول الدريملي لـ"فلسطين": "كنت أنا وزوجي نعرف بأمر النذر، ولكن لا علم لنا بوقت التنفيذ وكيفيته، ولكن قبل خروجي من المستشفى أخبرني الأهل أن "الفدعوس" ينتظرنا عند البوّابة، احتفلت بنا الفرقة ومعها الأهل، بدءًا من باب المستشفى، وصولًا إلى البيت، وطوال الطريق التي تُقطع في ربع ساعة تقريبًا لم تتوقف طبول أعضاء الفرقة ومزاميرهم، في مشهد يبدو أقرب إلى زفة عروسين".

وتضيف: "بقيت في المستشفى مدة يومين، كنت متعبة جدًّا على إثر العملية، والإرهاق يسيطر عليّ، ولكن بمجرد دخولي في الأجواء الاحتفالية التي كانت بانتظاري نسيت كل شيء مؤلم".

لم يكن الاحتفال مقتصرًا على الأب والأم وأقاربهما، بل كل من في المستشفى شاركهم في الفرحة، وكذلك في الطريق إلى البيت، إلى أن وصولوا إليه، حتى إن هناك من وزع الحلوى والشوكولاتة ابتهاجًا بالمولود، مع محدودية علاقتهم بالعائلة، وما كان له أثر بالغ علي الزوجين أن نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية اتصل بهما لتهنئتهما، بعد انتشار الخبر على بعض مواقع (الإنترنت).

الثقافة المجتمعية تأبى إلا أن تضع بصمتها، فبعض الحاضرين عبّروا عن دهشتهم من تنظيم احتفال بمولودة أنثى، فبعضٌ يظنّ أن الفرحة لا تصل إلى هذا الحد إلّا إن كان القادم ابنًا ذكرًا، لكن الدهشة زالت وشارك المستغربون في الاحتفال وقدّموا التهنئة، بعدما علموا أن الطفلة هي الابنة الأولى لزوجين ينتظران منذ نحو عشرين عامًا.

عمّ البيت الفرح بولادة "شام"، وهذا طبيعي وبدهي، ولكن الاحتفالين بقدومها جعلا للفرحة أجواءً مميزة لا تُنسى، لذا إن الأم تنصح كل من يمر بتجربة مشابهة أن يحتفل بطريقة مميزة كما حدث معها، مؤكدة أن "هذا الأمر يخفف عن الأم آلامها، وله مفعول السحر على نفسية الأبوين".