لم يكن فوز الأسير وليد دقة بجائزة اتصالات لكتاب الطفل في دولة الإمارات العربية المتحدة لعام 2018، عن روايته "سر الزيت"، إلا حلقة من سلسلة إنجازات حققها منذ أن زجه الاحتلال الإسرائيلي في سجونه.
وأسر الاحتلالُ دقة سنة 1986 وحكم عليه بالسّجن المؤبّد، بدعوى المشاركة في عملية أسر الجندي موشي تمام عام 1984 وقتله، وهي العملية التي شكّلت طعنة في قلب التقديرات الإسرائيلية حول السيطرة التامة على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ 1948، وهو واحد ممن رفض الاحتلال الإفراج عنهم في أكثر من مرة.
أما حكاية سر الزيت فهي رواية مخصصة للفتيان والفتيات، وتعد من الأعمال الفلسطينية الأولى التي تقدم عن أدب السجون لهذه الفئة، وتقع الرواية التي تنتصر للطفولة والمعرفة والخيال في 96 صحفة من القطع المتوسط.
"ليس بالغريب أن يحصد الأسير وليد جائزة "اتصالات" التي تعد واحدة من أهم الجوائز المتعلقة بأدب الأطفال واليافعين في العالم العربي، فهو الذي دخل منذ أسره في معركة علم وتعلم ضد الاحتلال وسياساته الهمجية"، تقول زوجته، سناء سلامة، التي ارتبطت بدقة عام 1999 بعد أن زارته لتكتب عن معاناة الأسرى الفلسطينيين.
وبدأ دقة مسيرته التعليمية عام 1997 بخوض غمار دراسة درجة البكالوريوس في العلوم السياسية رغم قيود الاحتلال التعسفية بحقه، ثم واصل مشواره بنيل درجة الماجستير لمرتين متتاليتين؛ الأولى كان موضوعها الديمقراطية، والثانية كان عنوانها "دراسات إسرائيلية".
وتضيف سلامة لصحيفة "فلسطين": "في كل مرة يحقق فيها وليد إنجازا علميا وحياتيا جديدا، تفرض مصلحة سجون الاحتلال قيودا إضافية عليه، تتنوع بين منع إدخال الكتب إليه وحرمانه الزيارة وإجراء تنقلات تعسفية بحقه لسجون احتلالية عدة".
ويلتزم دقة بقراءة كتاب واحد يوميا على الأقل في شتى المجالات المعرفية والعلمية، وكذلك لا يكتفي بتحطيم قيود الجهل الذي يحاول الاحتلال فرضها على عقله، بل ينجح أيضا في كل مرة بتحويل كل سجن يعزل إليه تعسفيا لأكاديمية تعليمية تنشر المعرفة والعلم لدى الأسرى الفلسطينيين.
وطوال مدة أسره التي قطعت 33 عاما متواصلة، تمكن دقة من إصدار كتب وروايات متعددة المضامين، كان أبرزها كتاب "سهر الوعي" الذي يدرس حاليا في كليات وجامعات فلسطينية عدة، أبرزها جامعة بيرزيت، وكذلك أصدر كتابا توثيقيا حول "معركة جنين" الشهيرة عام 2002، إلى جانب إصدار سلسلة مقالات تحت عنوان "الزمن الموازي" التي ترجمت لاحقا إلى عمل مسرحي لاحقه الاحتلال عقبها ومنع نشرها.
"معركة تحدٍّ جديدة"
وحول آخر الإنجازات التي سجلها دقة لنفسه، وللحركة الأسيرة الفلسطينية عموما، المتمثلة برواية "حكاية سر الزيت"، أوضحت سلامة أن أحداث الرواية تدور في مخيّلة طفل يريد زيارة والده في سجون الاحتلال، لكنه لا يستطيع، فيختبئ في شجرة زيتون من المفترض أن تُنقَل إلى الأراضي المحتلة عام 1948، ويتخفّى باستخدام زيت الزيتون المقدس، ثم يتمكن من زيارة والده.
وكالعادة، كان لزاما على دقة أن يدفع ثمن جعله الكتابة والقراءة وسيلةَ حياةٍ وتحدٍّ للاحتلال، حيث أقدم الاحتلال فور إصدار الرواية الأخيرة على فرض سلسلة عقوبات تمثلت بحرمانه الزيارة لمدة شهرين، ومصادرة جميع كتاباته وكتبه الخاصة به، إضافة إلى غرامة مالية بقيمة 500 شيقل، عدا عن نقله من سجن "جلبوع" إلى سجن "مجدو".
وتؤكد سلامة أن زوجها يستعد لخوض غمار معركة تحدٍّ جديدة، من أجل نيل شهادة الدكتوراة، لتبقى إنجازاته تصدح في أرجاء مدينة باقة الغربية شمال فلسطين المحتلة، حيث مسقط رأسه، بل في العالم كله.